13 سبتمبر 2025
تسجيلالقاضي أمامه نص يحكم من خلاله، يفهمه ويحلل الواقعة ثم يسقطها على هذا النص، وهذه مهمة دقيقة تحتاج إلى ذكاء في التحليل، وسبر لأغوار النص، ونجد مواقف للرسول صلى الله عليه وسلم وهو أمام نصوص تشريعية من القرآن يحكم بها بين الناس، والله تعالى قال له: (إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) النساء (105) فهنا عنصران مهمان: النص وإفهام الله وإراءته للنبي من خلال تحليل الواقعة، قال ابن عطية: " { بما أراك الله } معناه : على قوانين الشرع ، إما بوحي ونص، أو بنظرٍ جارٍ على سنن الوحي ، وقد ضمن الله تعالى لأنبيائه العصمة" وهناك أمثلة على ذلك منها قضاء الظهار في حادثة خولة بنت ثعلبة، عن ابن عباس، قال: كان ظهار الجاهلية طلاقا، فأول من ظاهر في الإسلام أوس بن لصامت، أخو عبادة بن الصامت من امرأته الخزرجية، وهي خولة بنت ثعلبة بن مالك؛ فلما ظاهر منها حسبت أن يكون ذلك طلاقا، فأتت به نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقالت: يا رسول الله إن أوسا ظاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه، وقدمت صحبته; فهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء، فأنزل الله عزّ وجلّ:( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ) .... إلى قوله:( وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، فدعاه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: أتَقْدِرْ عَلى رَقَبَةٍ تُعْتُقها؟ فقال: لا والله يا رسول الله، ما أقدر عليها، فجمع له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى أعتق عنه، ثم راجع أهله. وروى الحسن: أنها قالت: يا رسول الله ! قد نسخ الله سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أوحى إلي في هذا شئ) فقالت: يا رسول الله، أوحي إليك في كل شئ وطوي عنك هذا ؟ ! فقال: (هو ما قلت لك) فقالت: إلى الله أشكو ؛ لا إلى رسوله. فهنا نرى أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لم يقض للمرأة ابتداء؛ لأنه لم يوحَ إليه بنص يقضي من خلاله، وظلت المرأة تجادله، كما جاء في القرآن الكريم، وذكرت الروايات أطرافا من هذه المجادلات كما تبين من قبل، ولكن لما جاء النص طبقه النبي على زوجها الذي لم يكن مستطيعا أن ينفذ حكم الظهار في الكفارة، فأخذ النبي بروح النص وجمع له الكفارة ليطبق الحكم الذي جاء في النص، ومن ثم نستنتج أن القاضي لا يمكن أن يخرج عن النص التشريعي ويحكم بهواه، فإذا فعل ذلك فقد ضل ضلالا مبينا، وإنما رأْي القاضي مبني على اجتهاد أُسِّس على نص تشريعي فُهِم جيدا، وهذا ما علمه رسول الله معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن وقال له قال: بم تحكم؟" قال: بكتاب الله. قال: "فإن لم تجد؟" قال: بسنة رسول الله. قال: "فإن لم تجد؟" قال: أجتهد رأيي، فضرب في صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله، لما يرضي رسول الله"