12 سبتمبر 2025
تسجيلتواجه إيطاليا، الدولة الأوروبية الواقعة في الجنوب الأوروبي والمطلة على البحر المتوسط، بمفردها تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين في أغلب الأحيان من بلدن إفريقية وعربية شرق أوسطية ومغاربية، في محاولة منهم للوصول عبر قوارب قديمة وهشة إلى السواحل الإيطالية، ومنها ينطلقون إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. وكانت إيطاليا أطلقت في أكتوبر 2013، بعد أيام على مصرع أكثر من 360 مهاجرا غرقا، عملية "ماري نوستروم" في محاولة لإنقاذ المهاجرين الذين يبحرون من سواحل ليبيا على مراكب بدائية. وخلال ثمانية أشهر ونيف، أنقذت البحرية الإيطالية 73 ألفا و686 شخصاً، أي ما معدله 270 شخصا يومياً. وقد انتشلت البحرية الإيطالية وحدها نحو خمسين ألف مهاجر جاءوا خصوصاً من سوريا وبلدان في جنوب الصحراء الإفريقية. ومعظم هؤلاء المهاجرين من الرجال، لكن عشرة بالمئة منهم نساء وبينهم أكثر من ستة آلاف طفل. وقد أرسلهم ذووهم لعدم امتلاكهم المال أو أنهم فقدوا أفراد الأسرة الآخرين خلال الرحلة. ومنذ بداية العام 2014، تضاعف عدد اللاجئين الذين يصلون إلى السواحل الإيطالية قادمين من الشواطئ الجنوبية للمتوسط، لاسيَّما من الساحل الليبي، إذ بلغ 66 ألف لاجئ حتى الآن مقابل 43 ألفا للعام 2013 بأكمله. في مركز قيادة عمليات "ماري نوستروم" (الاسم الذي أطلقه الرومان على البحر المتوسط) في شمال روما، قال رئيس أركان هذه العمليات ميشال سابونارو: مواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، تكلف البحرية وحدها "بين ستة وثمانية أو تسعة ملايين يورو شهرياً".ومنذ إطلاق هذه العمليات تمت مصادرة أربعة مراكب واعتقال أكثر من 300 مهرب للاجئين،. وقد تراجع عدد الواصلين من مصر خصوصا، لأن السفن الكبيرة التي تستخدم للاقتراب من السواحل الإيطالية يتم رصدها واعتراضها بسرعة، لكن نشاط المهربين تزايد انطلاقا من ليبيا. وعبر القادة السياسيون الإيطاليون عن استيائهم من نقص التعاون من جانب بلدان الاتحاد الأوروبي لمواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، فقد عبر رئيس الحكومة الإيطالية ماتيو رينزي في بداية مهامه في الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، الجمعة الماضي، عن أمله في أن تتمكن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من القدوم إلى إيطاليا بسرعة لمساعدة الحكومة الجديدة على إدارة تدفق اللاجئين. وقال إن "توسط ليس بحر إيطاليا بل حدود في قلب أوروبا. نحتاج إلى سياسة أوروبية". وأكد الأميرال سابونارو أن "ماري نوستروم عملية إنسانية، لكنها لا تقتصر على هذا الجانب فقط، إذ إنها تسمح بتعزيز أمن البحر المتوسط بأكمله". وأضاف: "نتحمل عبء ذلك من أجل خير أوروبا بأكملها". وكان رئيس أركان القوات الإيطالية صرح الخميس الماضي أن تزايد تدفق المهاجرين واللاجئين إلى ساحل إيطاليا ليس ناجماً عن إخفاق عملية "ماري نوستروم"، بل عن تفاقم الأزمات في الشرق الأوسط، ففي سوريا تفاقم الوضع وفي العراق هناك تقدم للقوى الأصولية. وأكد من جديد نجاح أحزاب اليمين المتطرف والحركات الشعبيوية في الانتخابات الأوروبية التي جرت في يونيو 2014، لاسيَّما في فرنسا، على ضرورة الإسراع بتطبيق وسائل للحدّ من سياسة الهجرة واللجوء على مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث كانت أهميتها معترفاً بها منذ سنوات، فالمهاجرون من خارج أوروبا لا يتجاوزون 13 مليون نسمة، أي 3.5% من سكان الاتحاد الأوروبي. وقد ازداد عدد المهاجرين إلى النصف خلال خمس عشرة سنة، لاسيَّما بسبب التدفق الهائل للمهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية ودول البلقان بعد سقوط جدار برلين عام 1989، والحرب في يوغوسلافيا، لكن وزن هؤلاء المهاجرين يظل أقل من 6.6% من الأجانب الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن المشكل الذي يواجه الاتحاد الأوروبي الآن هو تزايد الهجرة السرية أو غير الشرعية، التي أصبحت تحتل حيزاً كبيراً في مناقشات رؤساء الدول والحكومات الأوروبية، الذين ركزوا في تصريحاتهم المختلفة على ضرورة مكافحة الشبكات السرية، وتعزيز مراقبة الحدود، فقد شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وصعود اليمين المتطرف والعنصري في أوروبا، وإرادة القيادات الأوروبية لتقديم أجوبة عن هذا "الانزعاج" الذي أظهرته صناديق الاقتراع، مجموعة من العوامل التي تفسر لنا هذا النقاش الأوروبي المحتدم حول الهجرة، ففي بريطانيا يدخل كل يوم بطريقة غير شرعية 137 مهاجراً جديداً، ويختفي في الطبيعة، ومنذ ثلاث سنوات يوجد في بريطانيا 150000 مهاجر سري يعملون في السوق السوداء، بمساعدة أهاليهم، وتستقبل بريطانيا على أراضيها ما يقارب مليون مهاجر غير شرعي، واستقبلت السلطات البريطانية خلال عام 2001، 71700 طالب للجوء، وتعتبر بريطانيا البلد الأوروبي المفضل للمهاجرين، ذلك أن طالبي اللجوء يسمح لهم بالعمل خلال الستة أشهر، في انتظار البت في ملفاتهم، ويأتي هؤلاء في معظمهم من أفغانستان، والعراق، والصومال، وسيرلانكا. وكانت إيطاليا قد كلفت عقب قمة لايتكين في ديسمبر 2001، بدراسة حول إنشاء بوليس أوروبي لمراقبة حدود الاتحاد، وهي فكرة قديمة أطلقتها كل من روما وبرلين، ولكنها تبنتها اليوم معظم عواصم الاتحاد الأوروبي وهكذا اتفقت بلدان الاتحاد الأوروبي على الوسائل البوليسية والقمعية لوضع حد لوصول المهاجرين غير الشرعيين. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن لأوروبا التي يكمن آفاقها في التوسع شرقا، وحيث سكانها تعاني من الشيخوخة، أن تبلور سياستها المشتركة للاستقبال والاندماج لأولئك المهاجرين الذين تجلبهم، والذين تحتاجهما أسواقها للعمل؟ لأن الضرورة هي التي تسنُ القوانين، فقد كان أرباب العمل الإيطاليون المبادرين الأوائل صيف 2004 في طرح النقاش الذي قاد إيطاليا إلى مراجعة قوانينها بشأن الهجرة. وفي الوقت الذي تتوافد فيه المراكب التي تحمل أعدادا غفيرة يوميا من الرجال والنساء والشباب إلى سواحل جزيرة لامبيدوزا في جنوب جزيرة صقلية، الهاربين من النزاعات المسلحة، والفقر والمجاعات في إفريقيا، تدخل رئيس أرباب العمل الإيطاليين لوكا دي مونتيزيمولو، ليذكر، "أن الهجرة هي أيضا ضرورة لإيطاليا". وتذكر رئيسة المؤتمر الدولي والأوروبي للبحث في الهجرة، فانا زينكوني بقولها: "من دون عمال أجانب، سيشل الاقتصاد الإيطالي". وقد مر على لامبيدوزا 6000 مهاجر سري في عام 2002، و6000 في 2003، وأكثر من 8000 خلال سنة 2004 وحتى منتصف سبتمبر 2004. ويوجد في إيطاليا 2.6 مليون من المهاجرين الشرعيين، ويمثلون 6% تقريبا من السكان العاملين، ويسهمون ما بين 3.8% و6% في الناتج المحلي الإجمالي، حسب المصادر الإيطالية.ولا يتعدى معدل البطالة في صفوفهم 4%، بينما المعدل الوطني يتجاوز 8%، وهناك تقاعد من أصل 80 مدفوعا من قبل عامل مهاجر، حسب تقرير أهم نقابة في إيطاليا (CGIL). وفضلا عن تسوية الوضع القانوني لـ690000 مهاجر سري في عام 2003، يقومون بالأعمال التي لا تتطلب كفاءة والصعبة التي يرفض العمال الإيطاليون القيام بها، فإن هذه اليد العاملة لا تغطي الحاجات الضرورية. إيطاليا، بلد هجرة بامتياز تاريخيا، وهي تريد الاستفادة من تجارب البلدان الأوروبية الأخرى، كي لا تقع في الأخطاء عينها التي وقع فيها الأوروبيون. وبسبب معدل الولادات الذي يعتبر الأضعف في أوروبا، وشيخوخة سكانها العاملين، ازدادت حاجة إيطاليا إلى اليد العاملة الأجنبية بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. وحسب دراسة أعدتها غرفة التجارة الإيطالية، فقد بلغت حاجتها إلى عمال إضافيين 224000 للعام 2003 وحده. وحسب هذه الوتيرة بلغت حاجة إيطاليا إلى اليد العاملة المهاجرة 5 ملايين مهاجرا في حدود سنة 2010، حسب تقديرات أهم نقابة مركزية إيطالية (CGIL). وحسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء، فإن عدد سكان إيطاليا لم يزدد في عام 2003، إلا بفضل ولادات أبناء المهاجرين. ولا شك أن تحويلات العمال المهاجرين تسهم في إثراء بلدانهم الأصلية، إذ بلغت قيمة الأموال المحولة إلى عائلاتهم 12.2 مليار يورو في عام 2003، حسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة.