01 نوفمبر 2025

تسجيل

رؤية شرعية لموضوع الانقلاب بمصر

11 يوليو 2013

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى وآله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد فوجئ العالم كله بما حدث في مصر، وتابع باهتمام كبير، وقلق بالغ، تطورات الأحداث والوضعية الجديدة في مصر، وما تزامن معها من زيادة التوتر، والاحتكاك بين المحتشدين في الشوارع والميادين، أو بينهم وبين رجال الأمن، حيث سقط قتلى وجرحى كلهم من أبناء الشعب المصري العزيز... أو تخريب منشآت هي من مرافقه ومنجزاته... أو التعدي على حرمات الناس والتعرض لحرياتهم، وحقوقهم المكفولة بالشرع والقانون، ثم ما ترتب على ذلك من الانقلاب على الشرعية بصورة غير دستورية، وما صحبه من قمع وكبت ومنع لوسائل الإعلام واقتحام الأمن لمقراتها بصور همجية، وأخطر من ذلك الهجمة الشرسة على الإسلاميين الذين نالوا ثقة معظم الشعب المصري في الانتخابات الحرة النزيهة، حيث أودع معظم قياداتهم في السجن، بالإضافة إلى حرق مقراتهم، وقتل عدد منهم أمام مسمع ومرأى قوات الأمن والشرطة، وغير ذلك مما ينذر بشر مستطير إن لم يتداركه العقلاء، وأخوف ما نخاف أن ينفد صبر هؤلاء، أو يستغل ذلك من قبل الأعداء فتتكرر مأساة الجزائر مع الإسلاميين وتغرق مصر في بحر من الدماء الفتن– لا سامح الله – (وحفظ الله مصر). وأمام هذا الوضع الخطر فإنني بحكم إحساسي الشخصي بالواجب، وإحساساً بمسؤولية البيان على العلماء، أوضح وأؤكد على ما يلي: أولاً: إن من الثوابت الإسلامية حرمة الخروج والانقلاب على الشرعية وولي الأمر (الرئيس) الشرعي الذي أعطاه الشعب بيعته، فلا يجوز الخروج عليه مادام لم يرتكب كفراً بواحاً، أو خيانة عظمى، فقال سبحانه وتعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وروى مسلم في صحيحه وغيره بسندهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له" وقال صلى الله عليه وسلم: "ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية" رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية" رواه مسلم، وروى البخاري ومسلم بسندهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... سيكون بعدي خلفاء فيكثرون قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: "أوفوا ببيعة الأول..". وقال: " من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله" رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله ومن عصى الأمير فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصا الله" رواه البخاري ومسلم. وهناك مائة حديث أو أكثر في وجوب الطاعة وحرمة الخروج على الرئيس (أو الأمير) المسلم. ولذلك فالخروج والانقلاب على الحاكم الشرعي المنتخب كبيرة من الكبائر، ومحرم بإجماع الفقهاء، ومضاره عظيمة، وفتن لا يعلم مدى خطورتها إلا الله تعالى. ولا يخفى أن أمتنا الإسلامية تعاني من الآثار الخطيرة التي ترتبت على الخروج على سيدنا عثمان وسيدنا علي إلى يومنا هذا. وبعد عقود، بل قرون من الظلم والاستبداد يختار الشعب المصري رئيساً، حافظاً للقرآن، مخلصاً لأمنه وشعبه، في انتخابات نزيهة، ثم يأتي العسكر ومن معه بإزاحته، وعزله بقوة، فهذا أمر غير جائز شرعاً ودستوراً. فالخروج على الرئيس الشرعي المنتخب المحافظ على عهده مثل الدكتور محمد مرسي هو الفتنة، والضرر الأكبر، والمفسدة الكبرى، وليس عزله من باب تحمل أخف الضررين كما قال البعض، ولاسيَّما أن الرئيس مرسي مع أنه الرئيس الشرعي لا تزال معه الأكثرية من الشعب المصري، بل إن الأكثرية والأقلية لابد أن نحسمها صناديق الانتخاب وليس بمجرد الادعاء. وقد تأسفنا في مشاركة بعض رموز الدين وبعض السلفية (حزب النور) في مثل هذه المخالفة الشرعية والدستورية، والوقوف معاً صفاً واحداً مع غير المسلمين، بل الوقوف خلف البابا، ومع العلمانيين، الذين لا يريدون للإسلام الخير، وهم يرفضون الدستور المصري الجديد، لأنه دستور نصّ على المرجعية الإسلامية بصورة واضحة. فعلماء العقيدة والشريعة – بل الحكماء المسلمون – يقولون أين مسألة الولاء والبراء؟ وأين الشرعية ووجوب طاعة ولي الأمر؟ ولماذا كانت طاعة الحكام الظلمة واجبة لا يجوز الخروج عنها، ولكن طاعة رئيس منتخب مسلم حافظ للقرآن، ووقف مع المبادئ الإسلامية والوطنية والقومية في تعامله مع غيره، ومع سوريا، ومع المصالح العليا لمصر في إفريقيا وغيرها.. هذه الطاعة غير واجبة في نظر هؤلاء، فسبحان الله، إن هذا الأمر عجيب، وازدواجية لا يبررها إلا الميكافيليون، ولذلك هاجم معظم قادة السلف وعلمائهم هذا الموقف المتعارض مع عقيدة الولاء والبراء، ومع ما هو مجمع عليه. فقد قال الإمام أحمد: "ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق" ونقل مثله أو قريب منه عن أبي زرعة، وابن أبي حاتم، وعلي بن الميدني، والطحاوي، بل وإليه ذهب علماء السلف منهم أئمة المذاهب الفقهية، والحديث، وكذلك المحاصرون من جميع المذاهب إلا إذا كان كافراً أو ظالماً للعباد ولا يقيم الشعائر. وذلك للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة، ومقاصد الشريعة الكلية، حيث يترتب على عزل الحاكم الشرعي مفاسد كبيرة أعظم بكثير من بعض المصالح التي قد تكون موهومة ولا تكون حقيقية، وحتى قال العلماء: إنه في حالة ظلم الحاكم يجب أن ينظر إلى أن لا يترتب على إنكاره مفسدة أكبر. بالإضافة إلى ذلك فإن تجارب الخروج على الحاكم كانت مأساوية، فخرج الناس على سيدنا عثمان رضي الله عنه فترتبت عليها فتن كقطع الليل المظلم ما زالت آثارها الخطيرة قائمة إلى الآن، كما خرج الناس على سيدنا الإمام علي رضي الله عنه فكانت المأساة الكبرى والفتنة العظمى التي ما زالت تمزق الأمة الإسلامية إلى اليوم – كما لا يخفى _ وأمام هذه التجارب المريرة فإننا ندعو إلى إعادة الرئيس الشرعي ثم التفاوض معه للخروج من الأزمات المثارة. ثانياً: وفي الوقت نفسه نقول: إن من ثوابت هذا الدين ومحكماته أيضاً حرمة الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال الخاصة والعامة فهي محرمة كالاعتداء عليها في البلد الحرام، والشهر الحرام " المؤمن لا يزال في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً" رواه البخاري في صحيحه 6862 لذلك أوجه ندائي إلى الجميع بأن يحافظوا على الدماء والأموال والأعراض وأن يصبروا مهما كانت الظروف، والأحوال، ويقابلوا السيئة بالحسنة. ثالثاً: أرى من الضروري شرعاً أن يتحمل العلماء ولاسيَّما علماء الشريعة وأعضاء الاتحاد، والمفكرون والحكماء مسؤوليتهم في هذه المرحلة الحرجة، وذلك بالوقوف مع الحق أولاً، والسعي الجاد لإيجاد مخرج مقبول، ومصالحة شاملة بين جميع مكونات الشعب المصري العظيم، وحل يرضى الجميع، فأوجه إليهم نداءً خالصاً بأن لا يتقاعسوا في أداء هذا الدور.  رابعاً: وفي الوقت نفسه فإن الأمة الإسلامية ليست بمنأى عن هذه الحادثة، أو الفتنة، لذلك يجب على المخلصين منهم من الحكام والعلماء، أن يتوسطوا لإيجاد مخرج مشرف، وحل يرضي جميع الأطراف. وذلك لأن هذه الحادثة خطيرة تهدد مصر العظيمة، التي عزتها وقوتها عزة للأمة العربية والإسلامية، وأن الحفاظ عليها من مسؤولية الجميع، وأن ضعفها هو ضعف للأمة جمعاء، كما دلت على ذلك التجارب التأريخية بدءاً من صلاح الدين الذي انتصر بفضل الله تعالى، ثم بجيش مصر والشام والعراق على الصليبيين في فلسطين والشام، كما أوقف الجيش المصري أيام قطز زحف المغول والتتار، وهزمهم، ومنعهم من المزيد من تدمير البلاد والعباد، بل إنقذ بقية العالم من شرورهم. ولذلك يجب على القادة المسلمين والعرب شرعاً، ومصلحة عليا، أن يبذلوا كل جهودهم لإخراج مصر من هذه المحنة التي مزقت أهلها، وجعلتها شيعاً، تخاف أن يستغلها الأعداء والجهلاء، لإحداث حرب أهلية – لا سامح الله – وحينئذ لا يكون الخروج منها سهلاً كما حدث في الجزائر.   ولا يجوز لقادة العرب أن يؤثروا فريقاً على الآخر أو يفرحوا بإذلال فريق لا يتفق هواهم معه، وإنما يجب عليهم شرعاً ومصلحة أن يقفوا مع الحق، ومع المصالحة الشاملة الكريمة، التي تؤدي إلى حل مشرف لمصر كلها، فنطالبهم بتشكيل لجنة عليا من القادة لتحقيق هذا الغرض المنشود. فالله الله في مصر، وهو المسؤول أن يحفظها من كل سوء ويجمع أهلها على الخير. (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).