18 سبتمبر 2025
تسجيللقد كان ما حصل في مصر أمراً متوقعاً وإنما التوقيت كان ينتظر الإخراج. لقد قامت الثورة الربيعية في مصر ضد النظام السابق لمجرد التغيير ولم تكن لها أهداف أو برنامج أو اتفاق على المستقبل، وكان جميع من شاركوا في هذه المرحلة ينتظرون أن يكونوا ممن يرسم سياسة مصر القادمة مهما اختلفت أطروحاتهم، إن مرحلة انتقالية من نظام إلى نظام تحتاج لمرحلة طويلة وتدرج في الخطوات لبناء نظام مؤسساتي ديمقراطي حسب ما قاله من قاموا بهذه الثورة، وخاصة الساسة، أما الشباب فهم لا برنامج لهم ويسيرون وفق أهواء الساسة وهم وقود لهؤلاء، وكان حزب الحرية والعدالة، وهو حزب حديث النشأة قرر عدم المشاركة في انتخابات الرئاسة لأن هؤلاء كانوا معزولين سياسياً وشنت عليهم حرب شديدة في فترة ثورة يوليو وخبرتهم السياسية ضعيفة جداً، ولكن قرروا المشاركة وأريد لهم أن يقعوا في هذا الفخ واستدراجهم ليهيئوا الجو لوصول قوى أخرى تبحث عن ذلك، ورغم أنهم قرروا المشاركة ولكن بلغة الحزب وليس بلغة الحكم والحكمة، فاختاروا عناصر كالرئيس مرسي سابقاً وقنديل وغيره ممن لا تجربة لهم، ودخلوا في صراع مع قوى عديدة، كالجيش والأحزاب الأخرى، وظنوا أنهم في عالم آخر وليسوا من بلاد متنوعة، وكأنهم لم يقرأوا ما يجري حولهم وكرروا أخطاء السودان في الانفراد بالسلطة، وللأسف ألبوا عليهم الدول العربية من خلال تصريحات أناس لا خبرة لهم وبتصريحاتهم النارية غير المسؤولة خلقت عداوات ووسعت خصومهم. وذلك لأنهم لا يملكون خبرات إعلامية ولا دبلوماسية ولا أسلوب خطاب سياسي، لقد خسر هؤلاء حتى أناسا مقربين منهم ولهم خبرة وحصروا أنفسهم في الحزب والتفكير التقليدي وخسروا الأزهر وخسروا عدة جهات حتى مخالفاتهم مع أحزاب إسلامية أخرى كان خطابها ضاراً بالصورة. الغرب ارتاح لهذا الطرح ولهذا الوضع حتى يقول للعالم هؤلاء هم الإسلاميون، وكذلك الأحزاب الليبرالية واليسارية، وللأسف إن هذا حُسب على الإسلام نفسه. وتحركت أقلام اليسار والعلمانية معادية للإسلام لتستغل هذه الأخطاء وتكبرها وبأسلوب سيكولوجي إعلامي لتقدم صورة أن الإسلام دين التطرف والإقصاء، وكل هذه الشعارات، لقد وجد هؤلاء فرصة لم يكونوا يحلمون بها بينما الطرف الآخر لديه إعلام خطابي متخبط حماسي لا يدرك فقه وعمق الطرح الإعلامي والخطاب الإعلامي الحديث الذي أصبحت له وسائل في الحديث إلى الآخرين علمي وصادق للوصول إلى الغاية وإنما كان هؤلاء يتخبطون في صراخ عنيف غير مسؤول ويفتقر للحكمة ولم يستشيروا خبراء في هذا المجال لإفادتهم كثيراً، وكان عليهم أن يشاركوا بالتدريج حتى يتعلموا منهج وأسلوب الحكم، ولكنهم للأسف لتعصبهم للرأي ورفضهم للنقد البناء والاستفادة من التجارب وضيق الأفق وصلوا إلى هذه الحالة. لم يدركوا البعد السياسي للدول الغربية وإسرائيل أن مصر دولة مجاورة لإسرائيل وأن إسرائيل تريدها ضعيفة ولن تسمح بنظام يهدد أمنها، تريد أن يستنزف المصريون قواهم بالصراعات الداخلية، وهل مرت السنة الماضية دون أن يعرف هؤلاء ما يدور حولهم، فالجيش المصري جزء من منظومة الحكم في مصر التي هي مرحلتان، مرحلة عبدالناصر والعلاقة الاستراتيجية مع روسيا، ومرحلة السادات ومبارك وهي مرحلة التحالف مع الغرب، وبالأخص الولايات المتحدة التي رأت حسب قول رايس تغيير مبارك الذي انتهت مرحلته ولم يعد يصلح لأنه لم يعد محبوبا، ووجوده أصبح يضر بالمصالح الغربية، كما أن الاستنزاف الداخلي يحقق هدف التفوق الإسرائيلي في المنطقة بأقل التكاليف، فلا تحتاج الدول الغربية تزويد إسرائيل بأسلحة، فأرضها المحتلة لم تعد تتسع لهذه الترسانة، ولذا فإن ما جرى في العراق وسوريا كفيل بجعل جيران إسرائيل متأخرين عنها سنوات، فقد مرت السنة في صراع بين القضاء والرئيس الذي عطل عمله في ضربات من القضاء وبإلغاء البرلمان وإلغاء تعيينات كثيرة لأنه كما يقول الكثير لم يدرك مرسي ومن معه أنهم يحكمون بطاقم ودولة حسني مبارك، وهؤلاء لن يسمحوا بأي عنصر دخيل ليصل إليهم. كان الأولى أن يتحالفوا ويمدوا أيديهم للجميع وعامل النجاح كان كسب الآخرين وتحسين الصورة وتطمين الجميع، وقطع الطريق على من يريدون الإضرار بمصر وتقزيمها ولكنهم حققوا كل ما أراده الخصوم، ولو قبلوا بأقل الخسائر لكان خيرا لهم وللجميع وإنما صنعوا مثل رجل عنده ثور أراد أن يشرب من الزير فالتصقت فروته فذبح الثور وكسر الزير ولو كسر الزير لما حشر الثور، ولكن الحكمة عندما تغيب والغرور عندما يصاحب يضر بصاحبه، ما حصل في مصر نكسة كبيرة ويهدد بعواقب كبيرة لأن الطرف الآخر يتعامل مع هذه القضية بكبر وغرور واستعلاء وانتقام وإقصاء أيضاً. ظهر البرادعي وظهر الآخرون بشماتة وتجاهلوا الأطراف الإسلامية جملة واحدة وبدأوا عملية ضد كل من هو إسلامي، ووضعوهم في سلة واحدة وما يخشى منعه ولا يمكن تجاهله ظهور جماعات التطرف العنيف واستنزاف مصري داخلي، إن حرق المقار والمكاتب والشتائم والسب والقتل من البلطجية سيدفع عناصر غير منضبطة كردة فعل إلى أعمال عنف، وهو ما يراد لمصر أن تقع فيه، والواجب تدخل العقلاء للوفاق وإصلاح ذات البين وتجنب الإقصاء والتهميش وإصلاح وتقييم الأخطاء، إن لغة الانتقام أو ثقافة الكراهية لن تحل القضايا، وهناك سيناريوهات مخيفة وفتن تنتظر مصر ويجب ألا يراهن أحد على القوة إذا أخطأ مرسي ومن معه، فإن للآخرين أيضا أخطاء، ولجأوا لوسائل غير مشروعة وسيتصارعون على الكعكة فيما بينهم والمستقبل لا يطمئن إلا في حالة تغليب العقل وظهور الحكماء والذين يضغطون بقوة لمصالحة شاملة ومعالجة للأخطاء فأين هم يا ترى؟