17 سبتمبر 2025

تسجيل

استقالة غانتس وتداعياتها

11 يونيو 2024

صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يستقيل فيها غانتس من الحكومة فقد استقال إبان أزمة كورونا في عام 2020، ولكن هذه المرة تعد استقالته أهم بكثير، فهي تأتي في ظل استمرار الحرب. وفيما كانت الخلافات في ظل حكومة الطوارئ ومجلس الحرب مؤشرا على تباينات المواقف إلا أنها كانت تشير في نفس الوقت إلى إمكانية التوصل إلى تفاهمات، أما الاستقالة الآن فهي تعني أولا أن ذلك دليل واضح على عدم تحقق أهداف الحرب بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، وأن مزيدا من الاستقطاب والتوتر سيسود السياسة الداخلية في دولة الاحتلال. لقد أقر غانتس بوضوح بالإخفاق خاصة في موضوع الأسرى حيث قال لأهالي الأسرى «أخفقنا في الامتحان ولم نتمكن من إعادة أبنائكم». وهذا العامل تحديدا سيظل عاملا مؤرقا للمشهد الداخلي لدى دولة الاحتلال. وجه غانتس سهام اتهاماته إلى نتنياهو حيث برر انسحابه بأن نتنياهو يمنعهم من التقدم نحو تحقيق النصر الحقيقي، وأنه يعرقل القرارات الإستراتيجية المهمة من أجل اعتبارات سياسية. وهذا التصريح عندما يأتي من غانتس وايزنكوت فإنه أهم من قدومه من شخص من خارج الحكومة كلابيد على سبيل المثال. لا يوجد الكثير من الفروق بين غانتس ونتنياهو فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين ودولتهم التي يتطلعون لها ولكن الفرق لديهم في الأولويات، فغانتس يريد تحرير الأسرى أولا ولديه وجهة نظر بخصوص السلطة المتجددة في قطاع غزة وهو الخيار الذي تدعمه الولايات المتحدة كما أن غانتس على خلاف مع حلفاء نتنياهو المتشددين مثل بن غفير وسموتريتش الذي يعتبرهم مسيئين لصورة دولة الاحتلال. إن استقالة غانتس لا تسقط الحكومة حيث يوجد لنتنياهو جدار حماية في الكنيست مكون من 64 مقعدا، لكن 5 مقاعد كافية لاهتزاز مكانة نتنياهو، وهنا تكمن أهمية استقالة غانتس ووجود تأثير من الولايات المتحدة على بعض النواب من حزب الليكود وهو ما قد يقلب الطاولة على نتنياهو. إن توقيت استقالة غانتس أيضا توقيت له دلالته فبعد قرابة 250 يوما على العدوان الإسرائيلي على غزة تنفك عقد حكومة الوحدة وينحسب اثنان من أهم العقول العسكرية من مجلس الحرب كما أن هذا الأمر جاء بعد تحرير الاحتلال لعدد من أسراه في غزة وهذا يؤكد أن غانتس وايزنكوت مقتنعان أن الأمور على المستوى الإستراتيجي تسير نحو الأسوأ لذلك قفزوا من سفينة نتنياهو على أمل أن يحصل شيء ما. ولعل الشيء الذي يمكن أن يحصل هو تشكيل جبهة من الأحزاب المعارضة وتكثيف الضغط على نتنياهو وزيادة المظاهرات من ذوي الأسرى ومن النازحين من الشمال والجنوب، ومن جنود الاحتياط، وتصبح الضغوط أقوى على نتنياهو إذا حصل غانتس ورفاقه على تأييد من المؤسسة الأمنية والعسكرية. إن استقالة غانتس هذه المرة ليست مضرة لنتنياهو فحسب والذي يحاول تصوير الأمر أنه طبيعي، ولكنها مضرة للانسجام الذي حصل في دولة الاحتلال منذ عهد بن غوريون، حيث سيتسلح نتنياهو برفقائه اليمينيين وسيتسلح غانتس برفقائه من معارضي نتنياهو وستصبح الحالة الداخلية أكثر هشاشة من ذي قبل. ستحاول الإدارة الأمريكية التي أظهرت نفسها أنها الحامي لدولة الاحتلال حتى من نفسها ومن تهورها أن تتوسط لرأب الصدع ولكن يبدو أن الخرق اتسع على الراتق، وستكون استقالة غانتس مقدمة لمزيد من الخلخلة في العقد الاجتماعي في دولة الاحتلال خاصة إذا أضفنا عليها وصفة جيش علماني غير قادر على حماية الدولة الدينية ومتدينين يرفضون الانخراط في الجيش العلماني للدفاع عن دولتهم.