18 سبتمبر 2025

تسجيل

أهناك دجال في الأرض؟

11 يونيو 2020

سيجيب أغلبكم بنعم على السؤال أعلاه، بل ربما يضيف بعضكم: ليس هناك دجال واحد، بل دجالون محترفون ينتشرون في الأرض.. ولن أرفض أو أقبل إجابة أحد، لأن منكم من يعتقد أني أقصد المسيخ الدجال الذي يظهرآخر الزمان، ومنكم من يعتقد أني أسأل عن الدجالين المشعوذين والكذابين من البشر، وغيرهم من دجالي السياسة والاقتصاد والصحة والإعلام وغيرهم كثير، كثير. لكن إن قلت لك: هل هناك مسيخٌ دجال يظهر في زمن ما في المستقبل؟ ستقول: نعم، هناك مسيخ دجال سيظهر آخر الزمان كما في أحاديث علامات الساعة الكبرى، وستكون هناك فتنة عظيمة لن يسلم منها كثيرون ممن كتب الله لهم الحياة في تلك الفترة من الحياة الدنيا. لنواصل طرح الأسئلة.. هل يمكنك تصور بعض الأحداث التي ستقع في أيام الدجال، وكيفية نزول النبي عيسى - عليه السلام - وكيفية وقوع القتال أو كيفية قيام النبي عيسى بطعن الدجال برمحه فيقتله وتنتهي الفتنة؟ الأمر هاهنا قد يبدو في تصوري، أنه إلى التعقيد سائر بعض الشيء. لماذا ؟ لأنه ليس كل أحد من الناس عنده القابلية أو القدرة على تصور وتخيل أحداث مستقبلية هي في علم الغيب، فضلاً عن قبولها أو تصديقها. فماذا أريد أن أصل إليه إذن؟ أريد مما سبق ذكره من تساؤلات، توضيح نقاط أعتقد بأهميتها في حياتنا، وقد استحضرت قصة المسيخ الدجال كمدخل للموضوع.. أولى تلك النقاط أن تكون دقيقاً في تحديد احتياجاتك كي تحققها بالصورة المأمولة التي ترغبها، بحيث لا تكون رغبتك عامة أو لا تدري ما تريد بالضبط، كيلا تكون النتيجة شبيهة، عامة غامضة لا ملامح لها، كما الطريقة التي طرحنا بها السؤال الأول في البداية، وما إن كان هناك دجال في الأرض. هذه نقطة أولى. لكن السؤال الثاني لو تذكرونه، كان دقيقاً أكثر ومحدداً. حيث سألتكم عن المسيخ الدجال الذي يظهر آخر الزمان، كما هو معروف عند غالبية الأديان المعروفة لا سيما الثلاثة الكبرى المعروفة. فكانت النتيجة دقيقة وواضحة. وهكذا المأمول أن نكون في حياتنا. دقة في طلباتنا أو احتياجاتنا، لاسيما حين نأتي للتخطيط لمستقبلنا، لأن الدقة هنا توفر الكثير من الوقت والجهد والموارد، وبها تكون النتيجة دقيقة والخسائر في أدنى مستوياتها، هذه نقطة ثانية. أما النقطة الثالثة في الموضوع فتتعلق بأمور تقع في حياتنا الدنيا لا يمكن عادة للعقل البشري أن يدرك كنهها أو يقبلها بسهولة، ما لم يتدخل الإيمان أو ما لم يكن الإيمان راسخاً في القلب. إذ ليس كل أمر حياتي أو حدث في هذه الحياة يقدر العقل على تفسيره وقبوله أو العكس. لكن الإيمان العميق الراسخ في القلب، يعين العقل على القبول ولو إلى حين، باعتبار أن التريث قليلاً حتى تتضح الأمور أفضل من الرفض وعدم القبول أو هكذا هو المفهوم المثالي للتعامل مع الأشياء الجديدة. الموضوع قد يبدو لك أنه انتهى هاهنا. لكن في الواقع لم أبدأ به بعد ! وقد أحتاج منكم بعض التركيز والتفكير، وأعتذر مقدماً على هذا النوع من الكتابات شبه الفلسفية التي تتطلب تفكيراً سريعاً أثناء القراءة، والإجابة على التساؤلات المطروحة، ومن ثم متابعة القراءة، وهي نوعاً ما عملية متعبة، لكن أحسبها مفيدة بإذن الله. دعوني إذن أتساءل تارة أخرى وأقول: ماذا لو كان قد قيل للصحابة رضوان الله عليهم: إن البشر بعد أكثر من ألف عام من يومهم هذا، سيكتبون رسائلهم بغير القلم والمداد الخاص به، وبغير الطريقة المعتادة في الكتابة، سواء على رقع الجلد أم ورق الشجر، ومن ثم يرسلونها إلى مناطق بعيدة في فترة لا تزيد على الوقت الذي يؤدي خلاله الإنسان حركة زفير وشهيق واحدة، وذلك عبر وسيلة سريعة هي ما نسميها اليوم بالبريد الإلكتروني.. فهل تعتقدون أنهم كانوا سيرفضون الفكرة؟ هذا المثال هو نفسه تماماً يتطابق مع مثال المسيخ الدجال. فلقد سمع الصحابة الكرام عن هذا الدجال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصدقوا ما جاء عنه كعادتهم في تصديق كل ما يجيء عنه – صلى الله عليه وسلم. صدقوا تلك الحكاية لحقيقة مهمة أدركوها مبكراً وسنذكرها بعد قليل. لكن لو أتينا اليوم ومع بشر اليوم، وفي الوقت الذي تتطور فيه أسلحة المعارك بشكل هائل، وقلت لك: هل يمكن أن يصدق الناس موضوع الدجال وحرب المسلمين له بقيادة النبي عيسى - عليه السلام - ومقتله برمح يكون بيد النبي عيسى، معلناً بذلك انتهاء فتنته، وسيكون مقتله برمح وليس رشاشاً آلياً أو قاذف صواريخ مثلاً أو سلاحا يعمل بالليزر.. هل سنصدق أن الدجال في آخر الزمان سيموت برمح ؟ نعم سنصدق، أو غالبيتنا.. لكن مع ذلك، تجد آخرين منا لن يكون الأمر سهلاً عليهم. من يصدق، فلأن قصته عرفها عن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وهي حقيقة جوهرية أولى، ومن لا يدركها ويهضمها ويؤمن إيماناً جازماً بها، فهو في قلق وتوتر وخطر غير يسير، وبالتالي لن ينتقل بسهولة ويسر لاستيعاب حقيقة حياتية أخرى استوعبها الصحابة الكرام، وكثيرون منا اليوم كذلك ولله الحمد، والمتمثلة في استحالة بقاء الأمور كما هي خالدة مخلدة، باعتبار أن سنّة التغيير فاعلة إلى ما شاء الله لها أن تكون. فلذلك لم يكن الصحابة ليندهشوا من حدوث أي تطورات بالمستقبل، مثل كتابة الرسائل بالطريقة الإلكترونية التي نحن عليها اليوم على سبيل المثال؛ حتى لو لم يكونوا على دراية وعلم كاف بها، ولكن حقيقة أن بقاء الحال من المحال وفهمهم الواضح لها، جعلت حياتهم سعادة حقيقية دون كثير توترات ومنغصات. وهذا ما يدعونا إلى تصديق أحداث آخر الزمان العجيبة كما جاءت بها الأحاديث الشريفة، مثل قصص المسيخ الدجال وبعض علامات الساعة الكبرى. لكن هل انتهى موضوعنا؟ لم ينته بعد.. إن قصة المسيخ الدجال وكيف ستكون أيامه، وهل سيعود البشر إلى حياة بدائية أو كما كانوا قبل أكثر من ألف أو ألفي عام، حيث للخيول والسيوف والرماح كلمتها في معاركهم، ونحن نعيش حاضراً معروفاً بالتقنية والاتصال والأسلحة الذكية وغيرها من تطورات لم يشهد التاريخ لها مثيلا، والمتوقع حدوث الكثير الكثير من التطور، تجعل المرء منا في تساؤلات مشروعة تحتاج لإجابات. نعم، أدرك أن الموضوع ليس بالأمر السهل قبوله عند كثيرين، فضلاً عن تصوره. لكن في اعتقادي أن الإيمان وحده فقط هو المنقذ لنا من مشكلة عدم التصديق والدخول بذلك في متاهات التشكيك أو تكذيب الأحاديث والدخول إلى عالم من التيه والضلال والعياذ بالله؛ إذ يصعب على العقل أن يتصور تحول أُناس يعيشون عالم الإنترنت والفضائيات والصواريخ بعيدة المدى والغواصات والقنابل النووية وحاملات الطائرات والاتصالات، إلى أناس يركبون الخيول والإبل، يقاتلون بالسيوف والرماح والنبل، وإن تطوروا قليلاً فسيكون بالمنجنيقات وقاذفات اللهب وما شابه ! لا شيء حقيقة يمنع أن تتغير الأمور الآنية ليعود البشر ألف عام أو أكثر إلى الوراء، ولأي سبب من الأسباب. ولا شيء في الوقت نفسه يمنع العقل من تصديق مثل هذه الأخبار عن المستقبل، والتي قيلت في ماضٍ بعيد عن مستقبل أبعد. نعم، لا شيء يمنع العقل من التصديق، إن هو – وأقصد العقل البشري - هضم حقيقة الخلود، وأنه لا شيء خالد في هذه الدنيا، ما يدعونا إلى تكرار القول بأن الإيمان وحده هو المنقذ، لماذا؟ لأنه بالإيمان نقدرعلى فهم حقيقة الخلود التي لن تكون بكل تأكيد لهذه الدنيا ولا لأي شيء فيها، وأن دوام الحال من المحال وأن الكل إلى زوال، وأن التغيير يصيب كل شيء، بدءاً بالبشر ومروراً بالجمادات والحيوانات والنباتات، وانتهاء بالسموات والأرض وغيرها من مخلوقات وكائنات، ليبقى بعد ذلك وجه ربك ذو الجلال والإكرام وحده، لا شريك له. إنها حقيقة حياتية لا نكل ولا نتعب من ترديدها وتذكير القراء بها، لأن فهمها بشكل سليم وواضح يعين المرء منا على أن يعيش حياة هادئة هانئة مطمئنة، لا يحزن على ما فات ولا يحمل هم ما هو آت، بل يعيش لحظات حاضره وفق فهم ووعي لحقائق الحياة المختلفة، لا يحزن على ماضٍ ولا يحمل هم غد لم يصل بعد، وبالتالي لا يحمل في نفسه حقداً أو حسداً أو كراهية أو ضغينة لأحد، إنما يعمل على أن يصل إلى بر الأمان قدر المستطاع، حيث سيرى الخلود متجسداً أمامه في حياة أخرى - هي دون شك - مختلفة لا يمكن وصفها، فضلاً عن تصورها، وإن كان التصديق بها أمراً ممكناً لا شك فيها ولا ريب. وما مثال المسيخ الدجال الذي أوردناه هاهنا إلا تقريباً وتوضيحاً لتلكم المفاهيم. فهل وصلت الرسالة؟ [email protected]