12 سبتمبر 2025

تسجيل

حصار قطر والأمن الغذائي

11 يونيو 2018

دول الحصار لم تصدر سلعاً استهلاكية أساسية لقطر  فتح خطوط إمداد ملاحية جديدة واستخدام البنى التحتية ذات الطاقات العالية مشاريع الإنتاج الغذائي يجب أن تخضع لمعايير التكلفة الاقتصادية والاجتماعية تطوير إستراتيجيات تخزين السلع الأساسية لفترات طويلة  من ضمن السياسات المضادة  للحصار، التي تبنتها قطر، كانت هناك حزمة من السياسات المحفزة للمنتج المحلي والداعمة للقطاع في مجال الإنتاج الحيواني والزراعي والإمداد اللوجستي بالمواد الأولية - سياسات دعم وتسهيلات بأشكال مختلفة -، وأصبح هناك تواجد للمنتج المحلي بقدر جيد في الأسواق واكتفاء إلى حد كبير في بعض المنتجات كالدواجن والألبان. لا تهديد للأمن الغذائي تعريف الأمن الغذائي: يعرف مؤتمر الغذاء العالمي، الأمن الغذائي وهو تعريف مبني على تعاريف لمؤسسات دولية كمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) والبنك الدولي على أنه الحالة التي يتمكن فيها كل الناس وفي كل الأوقات، جسدياً واجتماعيا واقتصاديا من تغذية كافية وآمنة للاستجابة لاحتياجاتهم لحياة صحية ونشطة، وهو تعريف تقني. والتعريف الأبسط للأمن الغذائي هو التمكن من الحصول على كميات كافية من طعام مغذٍ. تجب الإشارة أولا إلى أنه لا يوجد تهديد لمنظومة الأمن الغذائي في قطر من جراء هذا الحصار، فدول الحصار هذه لم تكن تصدر لقطر أساساً سلعاً استهلاكية أساسية كالقمح أو الأرز أو الذرة أو الزيوت أو اللحوم ولا حتى الأعلاف ولا شيئا من ذلك. فهذه السلع يأتي معظمها عبر البحر من مصادر خارج الإقليم، وحال دول الحصار في ذلك كحال قطر. فهذه دول تغلب عليها الطبيعة الصحراوية الجافة، وهي غير منتجة زراعياً وتستورد غذاءها من الخارج. نعم كان هناك بعض التركزات المحدودة في استيراد بعض المنتجات من أو عبر دول الحصار كمنتجات الألبان وبعض منتجات الدواجن والخضراوات، وهذا كان أمراً طبيعياً في منظومة كان من المفترض أنها تسعى لتكامل اقتصادي فيما بينها لأكثر من ثلاثة عقود حتى الآن، ثم إن معظم هذه المنتجات يمكن استيرادها من مصادر بديلة بمرونات عالية، كما يمكن الإنتاج منها محليا، وهذا ما حدث بالفعل. فمنذ بداية الحصار عمدت الحكومة الى تنويع مصادر ووسائط الاستيراد وفتح خطوط إمداد ملاحية وجوية جديدة، واستخدمت البنى التحتية ذات الطاقات الاستيعابية العالية كمطار حمد وميناء حمد لتجاوز دول الحصار والوصول إلى مصادر الاستيراد الأصلية والبديلة لضمان تدفق السلع بالأسعار المناسبة للمستهلك. فكان هناك تنوع مع جودة في السلع وبأسعار مناسبة للمستهلك، ولا يمكن القول إن انقطاع بعض تلك المنتجات من دول الحصار في حد ذاته يشكل تهديداً لمنظومة أمننا الغذائي.   وطالما ظلت المياه والأجواء الدولية مفتوحة، فلا يوجد خطر يهدد الأمن الغذائي لقطر. أما في حالة إغلاقها (لو افترضنا ذلك جدلاً)، فحينها يتم قطع الإمداد الخارجي بالغذاء للإنسان وربما أيضاً للحيوان (الأعلاف) على حد سواء (والثروة الحيوانية أحد المقومات الأساسية للإنتاج الغذائي محلياً التي يتم استيراد معظم أعلافها من الخارج). ومن المنطقي أن يتمم أيضا ذلك بمنع تصدير النفط والغاز وبالتالي أيضاً قطع دخل البلاد، وهذا سيناريو متطرف، يترتب عليه تهديد تكويني لمنظومة حياتنا اليومية ونمطها المعتاد. ومن المفيد والمطلوب في كل الحالات وتحت جميع السيناريوهات، تطوير إستراتيجيات تخزين للمواد الغذائية والسلع الأساسية لفترات طويلة، وتعظيم الإنتاج مما يمكن إنتاجه محلياً بكفاءة اقتصادية ويتلاءم مع البيئة المحلية، كحد أدنى، كالتمور وبعض منتجات أعلاف الماشية على سبيل المثال. لذلك فالتعريف الأدق لهذه المشاريع هو أن تسمى مشاريع الإنتاج الغذائي. ومشاريع الإنتاج الغذائي والأمن الغذائي على حد سواء، يجب أن تخضع لمعيارين وهما: 1) التكلفة الاقتصادية، و2) التكلفة الاجتماعية، أو يجب أن تجتازا معايير الجدوى الاقتصادية والجدوى الاجتماعية. والمقصود بالتكلفة الأولى هو أن تكون هذه المشاريع مبررة من الناحية  الاقتصادية، وأن تعمل هذه المشاريع وفقاً لأسس تجارية في حدها الأدنى، أو أن تغطي تكلفتها على أقل تقدير، وإن كان هناك دعم فيفترض ان يتم التحول معه للعمل وفق قوى السوق في فترة زمنية محدودة ومدروسة حتى لا تستنزف المال العام بلا طائل في نهاية المطاف وحتى لا يكون اعتمادها على الدعم والمال العام بلا أفق وغير محدود، وبالتالي لا تتمكن من التنافسية داخلياً ولا خارجياً، وتبقى عرضة لتقلبات أسعار الطاقة وتبعاتها على الإنفاق والدعم الحكومي مما يخل باستدامتها. ولقد كان الدعم والحماية مشروطين بتحقيق نجاحات على أرض الواقع خلال فترات زمنية محددة في تجربة دول شرق آسيا فنجحت تلك الدول في تنويع اقتصاداتها، في حين كانا غير مشروطين في حالة دول مجلس التعاون، ففشلت في تجربة تنويع اقتصاداتها. ثم إذا كان من يقوم بهذه المشاريع مؤسسات القطاع العام أو شبه العام أو المختلط المدعومة من الدولة، فإن ذلك أيضاً يسبب مزاحمة للقطاع الخاص ويضعفه ويحد من تنمية في هذه المجالات خصوصاً في فترات الطفرات النفطية التي  تتوسع معها مؤسسات القطاع العام،  فإذا جاءت فترات الركود وتقلص الدعم وتقلصت معه مؤسسات القطاع العام، وتكون الحاجة حينها لمساهمة القطاع الخاص أشد، يكون القطاع الخاص حينها قد أضعف بما فيه الكفاية ولا يمكن الاعتماد عليه. ونحن هنا نتحدث اعتمادا على بعض التجارب السابقة لدول تم فيها استنزاف موارد طبيعية، كالمياه، وأموال طائلة على مشاريع أمن غذائي ليكتشف بعد ذلك أنها فاشلة وغير قابلة للاستدامة كما في حالة المملكة العربية السعودية. وقطر بلد ذو طبيعة صحراوية محدود الموارد والمساحة، ولا تنتج الحبوب، وإنتاجها من الأعلاف محدود، نظراً لطبيعتها الجغرافية والمناخية — ندرة الأراضي الصالحة للزراعة والمياه وعدم ملاءمة المناخ، وهذه عوامل إن لم تعق الإنتاج فإنها ترفع تكلفته وبالتالي تحد من الجدوى الاقتصادية والتنافسية داخلياً وخارجياً ومن ثم الاستدامة، مع تحييد العوامل الأخرى، كالابتكار واكتشافات التكنولوجيا واستخداماتها في هذا المجال.  التكلفة الاجتماعية في مشاريع الإنتاج الغذائي من المعلوم أن مشاريع الإنتاج الغذائي كثيفة استهلاك الأعلاف والأراضي والمياه ونحن في بلد شبه صحراوي محدود المساحة وأعز مورد فيه هو الأرض التي نعيش عليها، والموارد الطبيعية (من أراض منبتة ومياه) شحيحة بل نادرة وبعضها ناضب وغير متجدد، كالرياض التي إذا ما تم تجريفها فإنه لا يمكن تعويضها، لأنها ترسبات طينية وتشكلات جغرافية طبيعية تكونت عبر آلاف السنين، وهذه الموارد الطبيعية أشد ندرة من المال العام، فالمال العام يأتي ويذهب ويمكن تعويضه، لكن هذه الموارد إذا ذهبت فإنها لا تعود. لذلك يجب أخذ ذلك في الاعتبار ولا تكون هذه المشاريع على حساب البيئة ولا على حساب الإخلال بالأمن البيئي ولا حساب الأراضي المنبتة وهي قليلة، ولا الرياض، رياض قطر هذه هي تحفة قطر وميزتها على سائر شبه الجزيرة العربية، ويجب أن تكون من المحرمات ويجب الابتعاد عنها. وبشكل عام تجب الموازنة بين التوسع الاقتصادي والحفاظ على البيئة والموارد البيئية المحدودة بما فيها عدم التوسع المفرط في استقطاع الأراضي. ومن المعلوم أيضاً أن مشاريع الإنتاج الغذائي كالدواجن على سبيل المثال كثيفة استهلاك الطاقة واستخدام العمالة ولها آثار جانبية على الغطاء النباتي والتلوث البيئي  وصحة الإنسان، ولكل من هذه الآثار قوائم أخرى من الآثار السلبية لا يتسع المجال لذكرها، ونحن لسنا هنا بصدد سردها الآن، ولكن المقصود أن تؤخذ هذه الآثار الجانبية والتكاليف المصاحبة في الاعتبار، وان  تخضع مشاريع الإنتاج الغذائي ليس فقط لمعايير التكلفة الاقتصادية بل أيضاً التكلفة الاجتماعية Social Cost، وهي أشمل وأعم وأكثر تكلفة وإخلالا بالرفاه الاجتماعي، وذلك من خلال تضمين جميع الآثار والتكاليف المذكورة، الاقتصادية والاجتماعية على البيئة والمجتمع وفي حفظ حقوق الأجيال القادمة في بيئة معافاة وسليمة (وهذا يتسق مع ما جاء في رؤية قطر الوطنية) عند تقييم الجدوى من هذه المشاريع. فتجب الموازنة بين المصالح والآثار السلبية والتكاليف، فإذا كان الاستيراد أرخص وأجدى أخذاً في الاعتبار التكلفة الاقتصادية والتكلفة الاجتماعية، فالاستيراد أولى مع تنويع مصادر الاستيراد والدخول في شراكات مع المنتجين هناك في دول المنتج. وبطبيعة الحال يفترض أن يكون طرح وتخصيص هذه المشاريع وغيرها من مشاريع القطاع العام للقطاع الخاص، على مبدأ الشفافية والتنافسية وتكافؤ الفرص، وعدم مزاحمة مؤسسات القطاع العام وشبه العام والمختلط للقطاع الخاص، وذلك للحد من الاحتكار ودعم التنافسية والجودة وتعظيم فرص الاستدامة اعتماداً على قوى السوق بأقل قدر ممكن من الدعم العام. * متخصص في السياسة النقدية وعلم الاقتصاد السياسي عضو زمالة الباحثين بمركز الاقتصاد الكلي ومعهد الفكر الاقتصادي المستجد جامعة كمبردج البريطانية