12 سبتمبر 2025

تسجيل

كيف نجحت قطر في الصمود في وجه الحصار؟

11 يونيو 2017

من الواضح حتى صباح السبت أن مجريات الأمور تصب في مصلحة قطر في أزمتها مع ثلاث من جاراتها الخليجية، حيث أثمر تمسكها بثوابتها المعلنة وتعاطف الشارع الخليجي معها، والمساندة القوية من بعض الدول الإسلامية، وسلامة وتماسك جبهتها الداخلية إلى تحول ملحوظ في مسار الأزمة. وأتحدث في مقال اليوم عن تماسك الجبهة الداخلية، وبوجه خاص من الناحية الاقتصادية والمالية، وهو ما لم يكن في حسابات الطرف الآخر عندما رتب لهذه الهجمة الشرسة على دولة قطر. ومن الواضح أن المعطيات القطرية قد تطورت بشكل قوي ومتسارع في السنوات العشر الماضية، ناهيك عن تعاظم الإنجازات إذا ما قارنا حال قطر اليوم بما كانت عليه قبل 20 سنة. ومن الواضح أن حسابات الطرف الآخر قد بُنيت على حسابات مغلوطة عن إمكانات دولة قطر التي تراكمت لديها سنة بعد أخرى: أولًا: عول الطرف الخليجي على حدوث انهيار في بورصة قطر، من جراء تدهور كبير في أسعار الأسهم. وتشير محصلة التداولات في الأسبوع المنصرم إلى أن المحافظ غير القطرية، وغير القطريين قد باعوا صافي خلال الأسبوع بما مجموعه 810 ملايين ريال، وهو ما يزيد على أربعة أمثال المستويات المعتادة. الجدير بالذكر أن المحافظ غير القطرية كانت قد درجت على الشراء الصافي في الشهور الماضية، بما يبدو وكأنه ترتيب مسبق لإحداث هزة مالية تساهم في إرباك المشهد القطري. وقد أفشلت المحافظ القطرية والقطريون هذا الأمر بقيامهم بالشراء، لثقتهم بأنها مجرد أزمة عابرة. ثانيًا: اندفع العاملون الأجانب لشراء كميات كبيرة من الدولارات والعملات الأخرى، كرد فعل طبيعي لما يحدث في الأزمات، خاصة مع اقتراب موسم السفر، وراحت ماكينات الإعلام المضادة تصور ذلك على أنه مقدمة لانهيار سعر صرف الريال، حتى ينتقل الهروب من الريال من العملات الورقية إلى سحب الودائع وتحويلها إلى عملات أخرى. واكتشف الناس منذ اليوم الأول أن سعر صرف الريال ثابت، وفاتهم أن مصرف قطر المركزي يحتفظ باحتياطيات نقدية كبيرة تضمن ثبات سعر الصرف. وإذا كان القانون يتطلب تغطية النقد المصدر بنسبة 100% بالدولار والعملات الرئيسية الأخرى، فإن الاحتياطي الفعلي يرتفع بهذه النسبة إلى أكثر 700 بالمائة. وفي حين أن الدول التي تستورد أكثر مما تصدر يكون لديها عجز كبير في موازينها التجارية وحساباتها الجارية، وينعكس ذلك على أسعار صرف عملاتها، فإن الميزان التجاري القطري هو في حالة فائض مستمر يصل إلى 9 مليارات ريال شهريا في الشهور الأخيرة رغم انخفاض أسعار النفط. ثالثًا: أنه رغم الزيادة السكانية الكبيرة التي ضاعفت عدد السكان في قطر إلى 2.7 مليون نسمة، فإن قيام الدولة بالتحوط لذلك منذ سنوات، وتوسعها في بناء المخزونات الغذائية الضخمة، قد فوت الفرصة على المراهنين على تصدع الجبهة الداخلية من جراء إقفال الحدود البرية وإغلاق المسارات الجوية عبرها إلى قطر. وقد عزز من تماسك قطر في هذا المجال تنامي الإنتاج المحلي في السنوات الماضية، فضلًا عن تمتع قطر منذ عامين بميناء بحري ضخم وأسطول جوي هو الأكبر في المنطقة، بما يكفل استمرار تدفق البضائع. وأدى وقوف الأصدقاء مع قطر وفي مقدمتهم تركيا -التي سارعت بإرسال شحنات كبيرة من المواد الغذائية، مع استعداد إيران لوضع ثلاث من موانئها في خدمة قطر- إلى انقلاب السحر على الساحر، فخسر المحاصرون من فقدان بضائعهم للسوق القطري الشيء الكثير. رابعًا: استمر تدفق الصادرات القطرية من النفط والغاز ومنتجات أخرى إلى دول آسيا وأوروبا وبقية العالم دون انقطاع، باعتبار أنها تعبر الخليج إلى المحيط الهندي دون أن تتأثر بالحصار. ورغم أن الحصار الجوي يضر بخدمات الخطوط القطرية من حيث زيادة ساعات الطيران وزيادة تكلفة التشغيل، فإن ذلك الأمر يضر بالطرف الآخر أيضًا. فمن ناحية، يتأثر تدفق المعتمرون إلى مكة ليس من قطر فحسب بل ومن كل العالم نتيجة ارتفاع تكلفة السفر، وتتقلص الرحلات السياحية إلى دبي، وتتأثر استثماراتها العقارية. خامسًا: إن لدى دولة قطر أوراق ضغط يمكن استخدامها إذا ما طال الحصار، ومنها وقف صادرات الغاز إلى الإمارات، وتفعيل الاعتماد على ميناء حمد كبديل لاعتماد الشركات على منطقة جبل علي، وميناء دبي. كما أن تعرض العديد من الشركات الأجنبية للضرر يجعل دولها تعارض الحصار كما صرحت بذلك ألمانيا. سادسًا: ستوفر قطر مليارات الريالات نتيجة توقف مشاركتها في حرب اليمن، بينما سيستمر نزف الطرف الآخر من تلك الحرب، ومن توسعها في الإنفاق على دول تشتري مساندتها بالمال.