11 سبتمبر 2025

تسجيل

محمد علي.. رجل الانتصارات والمبادئ

11 يونيو 2016

لقد رأى محمد علي كلاي النور من خلال الإسلام وبالإسلام، ولذلك عبّر عن الحكمة وانحاز إلى الخير، وقال معبرا عن ذلك إن "الديك يصيح فقط حين يرى النور، ضعوه في غرفة مظلمة ولن يصدر عنه أي صوت. أنا أرى النور وأنا أصيح". انتقد التمييز العنصري وحرب فيتنام بجرأة واعتنق الإسلام، لم يكن الصبي كاسيوس مارسيلس كلاي قد تجاوز الـ12 من عمره عندما سرق أحد الأشخاص دراجته، وهو يلعب مع أحد أصدقائه في إحدى الصالات الرياضية، وثار الصبي عندما اكتشف سرقة دراجته، وتلفظ بألفاظ التهديد والوعيد قائلا: ”إنه سيسحق السارق ويضربه ضربًا مبرحًا عندما يعثر عليه”، وتوجه بالكلام إلى رجل شرطة وجده أمامه، فما كان من رجل الشرطة إلا أن سخر من الصبي الطويل النحيف قائلا له: ”من الأفضل لك أن تتعلم الملاكمة أولا قبل أن تحاول ضرب أحد”، ولم يخطر ببال هذا الشرطي أنه “بهذه الجملة الساخرة” كان سببًا في تغيير مسار حياة هذا الصبي، وتوجيهه إلى الولوج في عالم الملاكمة واحترافها. احترف محمد علي كلاي رياضة الملاكمة عام 1960، وكان عمره 18 عامًا، بعد أن أحرز للولايات المتحدة الميدالية الذهبية في دورة روما الأوليمبية، وفي عام 1964، صُدِمَ العالم عندما استطاع محمد علي إزاحة الملاكم سوني ليستون من عرش الملاكمة، وكان عمره آنذاك لا يتجاوز 22 عامًا. وفي عام 1967، وفي قمة انتصاراته في عالم الملاكمة كانت الولايات المتحدة متورطة في حرب فيتنام التي كان يعارضها محمد علي البطل العالمي للملاكمة، الأمر الذي أدى إلى سحب اللقب منه بسبب رفضه الالتحاق بالخدمة العسكرية في جيش الولايات المتحدة، اعتراضًا منه على الحرب. تم سجن محمد علي كلاي وتمَّ إلغاء رخصة الملاكمة، وتمَّ تجريده من بطولة العالم في الملاكمة، ولكن بعد أربع سنوات ألغت المحكمة العليا قرار إدانته، وأصدرت حكما جديدا مفاده ”إن رفضه لأداء الخدمة العسكرية لم يكن بدافع الجريمة أو الجنحة، وإنما يتماشى مع تعارض الحرب ومع قناعة ضميره كونه يدين بالإسلام”. وكان كاسيوس كلاي قد أعلن إسلامه في عام 1965، واختار لنفسه اسم محمد علي كلاي، عاد كلاي للملاكمة مرة أخرى عام 1970. وفي عام 1974، هَزَم محمد علي كلاي الملاكم القوى فورمان، ليستعيد بذلك عرش الملاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأسره.يُعد محمد علي كلاي واحداً من أبرز الملاكمين الذين شهدتهم حلبات الملاكمة في العالم عبر التاريخ، فهو صاحب أسرع لكمة في العالم والتي وصلت سرعتها 900كم، كما حقق العديد من الانتصارات التي أهلته للفوز بلقب “رياضي القرن” حيث فاز ببطولة العالم للوزن الثقيل ثلاث مرات على مدى عشرين عاماً. ولكن إصابته بمرض الشلل الرعاش بسبب ممارسته للملاكمة حرمته من الاستمرار في ممارسة رياضته المفضلة حيث اعتزل الملاكمة عام 1981م إلا أنه لا يزال رمزاً رياضياً محبوباً حتى الآن. أما عن قصة إسلامه فقد فاجأ الجميع بإعلانه الانضمام إلى جماعة أمة الإسلام وتغيير اسمه إلى “محمد علي”، وكان وراء تلك الحركة المفكر الأمريكي “مالكوم إكس” المتحدث الرسمي لجماعة أمة الإسلام الذي كان صديقا مقربا له ليعلن اعتناقه الدين الإسلامي عام 1975م.من أبرز مواقف محمد علي كلاي، معارضة خوض الحرب مع الجيش الأمريكي ضد فيتنام، قائلاً لا يمكنني خوض حرب تقضي على حياة آخرين، إننا كمسلمين لا نخوض الحروب إلا إن كانت في سبيل الله ورسوله، وحينها تم سحب لقب بطولة العالم منه وإيقافه عن الملاكمة ثلاث سنوات وهو في سن 25 عاما أي سن العطاء والتفوق. وعلى مدى مشواره في رياضة الملاكمة سجّل علي أرقاماً قياسية، وكان له حضور مميز، بالإضافة إلى مواقفه المثيرة للجدل، مما جعله واحداً من أشهر شخصيات القرن العشرين. وقال جورج فورمان، الملاكم السابق الذي كان منافساً لعلي، على موقع “تويتر” بعد نبأ الوفاة، “ذهب جزء مني.. أغلى جزء”. وقال الملاكم روي جونز جونيور على موقع “تويتر” “أشعر بحزن شديد، لكنني أشعر بارتياح وامتنان لأنه الآن في أفضل مكان”. وكان مرض الشلل الرعاش (الذي عانى منه الملاكم محمد علي منذ ثمانينات القرن الماضي) أثّر على طريقة كلامه، وجعله شبه مسجون في جسده. وصفَ علي نفسه بأنه “الأعظم” وكذلك “الأجرأ والأمهر”. وقد وصل إلى أوج مجده في الستينيات. وبخفة حركته وقبضتيه السريعتين استطاع، على حدّ تعبيره، أن يحلّق كفراشة ويلدغ مثل نحلة. وكان أول من يفوز ببطولة العالم للملاكمة للوزن الثقيل ثلاث مرات. وأصبح علي أكثر من مجرد رياضي مثير للاهتمام، فقد انتقد بجرأة التمييز العنصري في الستينيات وكذلك حرب فيتنام فإلى كونه رياضيا من الطراز الأول اشتهر علي بنضاله السياسي ومواقفه الإنسانية حيث إنه كان محبوبا في جميع أنحاء المعمورة من قبل عامة الشعب ورجال الأعمال والساسة.. إلخ.لم يكن محمد علي كلاي شخصية عادية، بل علما كبيرا بخصال حميدة، تشبع بروح الإسلام وأصبح يكتشفه ويتعمق فيه يوما بعد يوم، وقال عن ذلك، إنه كلما عرف الكثير عن الله وعن الإسلام كلما فهم أكثر أنه علم القليل. وصف محمد علي كلاي نفوره منذ نعومة أظفاره من الظلم ومن العنصرية المقيتة داخل المجتمع الأمريكي ضد السود، التي رأى وعاين ويلاتها وشرورها، وصف ذلك في كتاب سيرته الذاتية "روح الفراشة" قائلا إنه كان يبكي كل ليلة تقريبا قبل أن يهجع للنوم من الشعور بالإهانة الدائمة التي يتعرض لها السود في أمريكا. ولذلك انشغل منذ وقت مبكر من حياته بالبحث عن مثل عليا يتخذها طريقا في حياته اللاحقة ترسم له خياراته وقراراته المصيرية، وقاده هذا الشعور للتعرف على الإسلام في سن السابعة عشرة، فانجذب إليه واستقر فيه، ومنذ ذلك التاريخ وُلد من جديد، وتغيرت حياته بشكل جذري وشامل وأصبح اسمه محمد علي. وحين رفض الخدمة العسكرية في أوج الحرب في فيتنام عام 1967، حرم من رخصة الملاكمة ومن لقب البطولة العالمية، بالإضافة إلى الإدانة التي رفعتها عنه المحكمة العليا عام 1971، لم يجزع ولم يتردد، وأعلن بكبرياء أن "لا مشكلة له مع "الفيت كونج" (المقاتلون الفيتناميون) كما أن "الفيت كونج" لم ينادوه بتاتا بالزنجي!" ولم ينته الأمر عند هذا الحد فقد أعلن أن عقيدته الإسلامية لا تنسجم مع التزامات الجنود في تلك الحرب، وأنه لا يستطيع أن يجرح أو يقتل أناسا لا معرفة له بهم، أناس لم يتسببوا له ولا لبلده بأي ضرر، مضيفا أن تلك ليست المهمة التي وضعها الله على عاتقه.ولفت كلاي في معرض شرحه لظروف رفضه المشاركة في حرب فيتنام إلى أن قراره كلفه الكثير، وأنه خسر الملايين، وكشف أن السلطات الأمريكية حاولت إغراءه بشتى الطرق، منها أنهم وعدوه بأنه لن يحمل مسدسا في يده بتاتا، وأنه لن يقترب مطلقا من المناطق الساخنة، إلا أنه لم يتخل عن قراره على الرغم من هذه العروض، وذلك لأن الحكومة الأمريكية كانت تريد استغلاله للدعاية لهذه الحرب الظالمة.كلاي كان واضحا في موقفه الصلب والصعب تجاه أي مشاركة في حرب فيتنام حتى لو كانت شكلية، ويمكن القول إن الإسلام أعاد تكوين كلاي، ووجد البطل ذو الروح الكبيرة والعقل المتقد الذي لم تلهه قوته الجسدية عن البحث عن الحق والعدالة الاجتماعية والمساواة، في هذا الدين المعنى الخالد للوجود وللتسامي وللعدل وللمحبة وللخير، ولذلك عندما سئل عن موقفه من الأديان الأخرى، أجاب: "الأنهار والبرك والبحيرات والجداول بتسميات مختلفة، وكلها تحتوي على الماء، والأديان لها أيضا أسماء مختلفة وجميعها تحتوي على الحقيقة".