15 سبتمبر 2025

تسجيل

بين (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعْنَةَ) و(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي)

11 يونيو 2016

من المتشابهات في آيات القرآن ما ورد في الحوارات القرآنية، وهي كثيرة ومتنوعة، ولكن سنبدأ بتسلسلها الزمني قدر المستطاع، والآية التي معنا هي قوله تعالى في سورة الحجر (35): (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) وفي سورة ص (77): (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)، فما الفرق بين الآيتين؟ والخطيب الإسكافي يحاول الإجابة عن هذا السؤال فيقول: "للسائل أن يسأل فيقول: إذا كان المراد باللعنة ولعنتي شيئا واحدا، فما بال اللفظين اختلفا فجاء في سورة الحجر بالألف واللام، وفي سورة ص مضافا، وهل يصح في الاختيار أحدهما مكان الآخر؟ويرجع الخطيب الإسكافي السبب إلى المشاكلة اللفظية والاتساق بين الآيات في السياق، فيقول: والجواب أن يقال: إن القصة في سورة الحجر ابتدأت في المعتمد بالذكر، وهو خلق الإنس والجن باسم الجنس المعرف بالألف واللام بقوله: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون* والجان خلقناه من قبل من نار السموم) الحجر: 26-27 ثم قال: (ما لك ألا تكون من الساجدين) الحجر: 32 فكان ما استحقه إبليس بترك السجود من الجزاء ما أطلق عليه اللفظ الذي ابتدئت بمثله القصة، وهو اسم الجنس المعرف واللام. وكان الأمر في سورة ص بخلاف ذلك؛ لأن أول الآية: (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين* فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين* فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين* قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين) سورة ص: 71-75 فلم تفتتح الآية بذكر الصنفين من الإنس والجن باللفظ المعرف بالألف واللام كما في سورة الحجر.ولما كان موضع (ما لك ألا تكون مع الساجدين) الحجر: 32 جاء بدله: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت) سورة ص: 75 فجعل بدل الساجدين أن تسجد ثم قال: (لما خلقت بيدي) فخصصه بالإضافة إليه دون واسطة يأمره بقلعه، أجري لفظ ما استحقه من العقاب على لفظ الإضافة، كما قال: (بيدي) فقال: (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) فكان الاختيار في التوفيق بين الألفاظ التي افتتحت بها الآية واستمرت إلى آخرها هذا." درة التنزيل وغرة التأويل 2/816 أما أبو حيان فإنه ينظر إلى اللفظ من حيث العموم والخصوص دون أن يتطرق إلى السياق فيقول" هنا ) لعنتي ) وهناك ( اللعنة ) أعم . ألا ترى إلى قوله : ( أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) وأما بالإضافة، فالعموم في اللعنة أعم، واللعنات إنما تحصل من جهة أن من عليه لعنة الله كانت عليه لعنة كل لاعن، هذا من جهة المعنى، وأما باللفظ فيقتضي التخصيص " البحر المحيط 2/415ولا يتعارض القولان السابقان، بل يكمل بعضهما بعضا، فقول الله تعالى: إن عليك لعنتي تفيد قمة المقت الإلهي، وذروة الطرد من رحمة الله، وإذا علمنا أن السورتين مكيتان وأن سورة ص نزلت قبل الحجر وفيها ذكر الله تعالى لفظ (لعنتي) فإن لفظ (عليك اللعنة) الذي يفيد العموم نزل بعد هذه السورة، وكأنه إيذان بلعن الشيطان من الملائكة والناس أجمعين، وهذا قياسا على أن من أحبه الله تعالى فإن كل شيء يحب هذا العبد من البشر والحجر، فيوضع له القبول في الأرض، وأن الله إذا أبغض أحدا فإن كل شيء في الدنيا يكره هذا الذي كرهه الله، وهذا ما أراه بين العموم والخصوص في الآيتين والله أعلم.