18 سبتمبر 2025

تسجيل

التصادم مع الذات

11 يونيو 2015

تمثل علاقة الإنسان بنفسه العلاقة الأهم والأقوى في علاقاته الإنسانية وما بين الانسجام والاختلاف تنشأ سلوكيات الفرد التي تأتي تبعا لحالته التوافقية مع ذاته، وإن كنا نؤمن سلفا بحرية تطلعات الذات ورغباتها وطموحاتها، فإننا لا يمكننا تجاهل دور الفرد في فلترة تلك الذات وتنقيتها لتصبح أكثر كفاءة في التعامل مع كوارث ومتغيرات الحياة. وعندما نتأمل سلوكيات البشر وردود أفعالهم نجد الكثير من التنوع والاختلاف، ذلك الاختلاف الذي يعكس صورة كل فرد عن ذاته وعن حقيقة إدراكه للمواقف وعن شعوره بالمسؤولية تجاه التحكم بانفعالاته التي تتزامن مع المواقف المحبطة والمفرحة. إن تصادم الفرد مع ذاته لا يظهر فقط في المواقف المحبطة، بل إن الشخص الذي يعجز عن التوازن في التعبير عن مشاعر السعادة لديه أو الشعور بالامتنان أو الإعجاب بالآخرين هو فاقد الألفة مع ذاته وبالتالي هو غير متوافق معها بالدرجة التي تؤهلها لتحقيق مكاسب حياتية فاضلة. إن التصادم مع الذات حالة يعيشها الشخص الذي لم يدرك الحجم الحقيقي لجوهره وطبيعة تكوينه، إنها حالة رفض وعدم تفهم وحالة تتأرجح بين اللوم المبالغ فيه وبين الحزن الشديد على تلك الذات.. مما يجعل الفرد عرضة للانهزامية والشعور المتكرر باليأس، وانخفاض مستوى الفاعلية الشخصية ولعل من أهم أسباب التصادم مع الذات هو تهاون الفرد في التعامل مع مواقف الإحباط التي يمر بها. وضآلة تفكير البعض التي تجعله يركن لدور الضحية في جميع تفاعلاته الحياتية، أو على العكس تجعل البعض يظهر بصورة هجومية اندفاعية لإثبات ذاته التي ربما خاب في احترامها وتحقيق لغة قبول ورضا معها. إن كبت الفرد المتكرر لرغباته وآرائه والحذر الذي يرافق تصرفاته وتجنب النقد خشية اللوم والعتاب، تحول الفرد إلى ناقد غير منصف مع الذات وبالتالي فهو هنا لا يقدر على التعامل مع أخطائه ولا حتى نجاحاته، فعند الخطأ يسترسل في المحاسبة ويتجه لا شعوريا لعقاب تلك الذات وسحب امتيازاتها منها، وعند النجاح لا يجيد ممارسة الفرح والرضا وربما أدرك تلك الذات ككيان لا يستحق ما وصلت إليه والعمل على تقوية وتعزيز مفهوم الفرد عن ذاته يجعله بعيدا عن مواقف الصراع والحيرة معها ويحلق بتلك الذات نحو سماء العزة والعطاء، فتتجاوز لحظات الانكسار والبؤس إلى لحظات من التأمل الفعّال الذي يَصْل بها إلى الاتزان في الفكر والسلوك.