15 سبتمبر 2025
تسجيلفي نهايات السنة الثانية لاستيلاء العسكر المصري على الحكم وإزاحته للثورة والانتخابات وإهالة التراب على الرأي العام لأكثر من خمسين مليون مصري شاركوا في الانتخابات وأعطوها الشرعية الدستورية.. يتساءل الناس ما الذي أنجزه الانقلاب الذي حاول بناء شرعيته على اتهام الرئيس مرسي بأنه وإن حقق شرعية الانتخاب لم يحقق شرعية الإنجاز..وأرى أن الانقلاب إن نجح في شيء فإنما نجح وبتفوق مشهود، في اقتفاء خطى فرعون الأول لتأمين اعتدائه وتسكيت الناس وقهرهم حذو القذة بالقذة كما يقال.. أقول هذا مع التحوط في مسألة تكفيره ولكني، مجرد ما أنظر فيما فعل فرعون الأول مما قصه القرآن الكريم وأنظر في سلوك الانقلاب، لأشبه حالة بحالة دون التشبيه في التكفير.. وأقول: (1) في وصف جريمة فرعون الأول تجاه أمته وتقسيمها، قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.. وهكذا نرى الانقلاب يفعل إذ رأى الشعب مجتمعا على الثورة ضد حكم العسكر.. ففرق جمعهم حتى جعلهم شعبين، واستقرأ ذلك أحد المطربين من أنصاره (علي الحجار) فغنَّى يخاطب طائفة الشرعية يقول لهم (ليكم رب ولينا رب، وانتو شعب واحنا شعب).ورأينا كيف يسمح لشعب أن يتظاهر، بل يستدعى في كل مناسبة ويمنع الشعب الآخر وكيف يستضعف الشعب الآخر، فلا يأبه بقتلهم وسجنهم في حين رأيناه وسمعناه يقول لأنصاره (إنتو مش عارفين إنكو نور عنينا).. وأما نشره الفساد، فلا داعي لإطالة الحديث فيه. (2) وقال تعالى في بيان من كانوا حلفاء فرعون الأول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ}.. وفرعون هو الرئيس السياسي، أما هامان فهو كبير الكهنة، وأما قارون فهو صاحب الثروة والمال.. ولاحظ من يتحالف مع الانقلاب اليوم أليسوا ذات الثالوث (رئيس، وشيوخ وبابا ضلال، ورموز الرأسمالية)، فإن قيل: لكن مع الانقلاب جيش وأجهزة وبلطجية، فأين هم في سلك فرعون.. قرأت عليك قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}..(3) وقال تعالى في محاججة فرعون لموسى وتعييره بالامتنان: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ}.. أليس هو ذات ما يردده قائد الانقلاب وإعلاميوه، إذ يمنون على الإخوان وعلى الثورة بأساليب وتعبيرات كثيرة، آخرها ما قاله الشقي عقب زيارته لألمانيا: "إحنا اللي سمحنا لهم بسنة حكم ولما فشلوا رجعنا كل شيء مكانه"، وتحت ذات العنوان يردد إعلاميوه ليل نهار أن الإخوان قتلوا النقراشي باشا.(4) وعن استعانة فرعون الأول بالسحرة لمواجهة موسى عليه السلام قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ).. فإن كان لدى فرعون الأول طابور من السحرة يدافعون عنه ويهيلون التراب على معجزة موسى عليه السلام مقابل أجر شرطوه ونالوه.. أليس ذات الأمر يحدث اليوم؟ أليس لدى الانقلاب إعلاميون قد لا يرمون الحبال والعصي لتتحول ثعابين، ولكنهم يرمونها لجر أعناق البسطاء والسذج ويتقاضون على ذلك ذات الأجر وذات التقريب.(5) وادعى فرعون الأول بأنه يقود المصريين لطريق الرشاد، فقال الله تعالى على لسانه: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد).. وها هو قائد الانقلاب قد أغلق كل صوت سوى صوته، ومنع كل إعلام سوى إعلامه، وبطش بالمعترضين، وها هو يؤخر الانتخابات البرلمانية كي يزرع قبلها في عقول البسطاء، أنه وحيد دهره وفريد عصره الذي لا يشق له غبار.. حتى سمعناه أخيرا يصرح في أحد لقاءاته بأنه "خبير بالنفوس وطبيب لأوجاع المصريين".. ثم يقول: "أعمل إيه إذا كان ربنا خلقني كده"، ومكان كل ذلك غلا ليقول للناس: (ما أريكم إلا ما أرى). (6) وقال تعالى في بيان التعاضد والتواصي على الظلم والفساد بين فرعون وأتباعه: "وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ".. فأنصار فرعون الأول يحرضونه على قتل موسى وهو يستجيب لهم فيما يوافق هواه.. وكذا فرعون زماننا الذي رأينا جهاز قضائه وجوقة من علماء السوء حوله يسهلون له الجريمة وتنقل الشاشات عن لواء سابق قوله محرضا على الثوار: "أرى أن يكون إعدامهم مضاعفا ليكون قتلا وحرقا أيضا".(7): وفي طلب فرعون الأول من مؤيديه التفويض لقتل موسى روى لنا القرآن قوله: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى}.. وهو ذاته الذي طلبه قائد الانقلاب ممن أسماهم يومه "بالشرفاء!": "إدّوني تفويض وأمر لمواجهة الإرهاب المحتمل".(8): وفي وصف استهانة فرعون الأول بموسى وتجاهله لقوة الله تعالى التي تناصره قال تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}.. وإذن فهو يصف موسى عليه السلام وأتباعه المؤمنين بالشرذمة القليلة تزهيدا فيهم وتحقيرا لهم وتهييجا عليهم.. وكذا فعل قائد الانقلاب، إذ يصف المصريين الرافضين له والمؤازرين لرئيسهم الشرعي بأنهم قلة قليلة على سبيل الاحتقار والتحريض عليهم، رغم أنه يكذب ويعلم أنه يكذب ويخاف أن يفتح لهم الميادين حتى لا يسقطوا كذبه.(9) وعن تغيير فرعون الأول موازين الحكم على الإنجازات بينه وبين موسى قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}.. أي أن فرعون ينسب الفقر والخراب في مصر لموسى افتراء عليه وظلما له، وكذا يفعل الانقلابيون اليوم وإعلامه الهابط، ولا يكاد يمر حدث سوء، من أقصاها إلى أقصاها، إلا وينسبونه للإخوان ويطّيّرون بهم فيه ويحملونهم مسؤوليته.آخر القول: إذا كان السيسي يسير على خطى فرعون الأول وكان الإخوان والثوار يسيرون على خطى موسى المؤمن، فإن من المنطقي أن نغلق المشهد بقول الله تعالى عن عاقبة الطاغية: { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}.. وبقول الله تعالى عن عاقبة موسى عليه السلام والمؤمنين معه بقوله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}.