28 أكتوبر 2025
تسجيلمرَّ المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على قومٍ يدعون الله، ثم مرَ على آخرين يعلمون الناس، فقال: هؤلاء قومٌ يدعون الله، إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء قومٌ يعلمون الناس إنما بُعِثتُ معلماً، فالمعلم هو المرجع في كثيرٍ من الأمور، وفي ذات السياق يحضرني بيت الشعر القائل:أُجِل أستاذي إجلالاً *** إني جاعلك للناس إماماً.فالمعلم هو مصدر المعلومات، يستشيره الناس في أمورٍ كثيرة، فيجيب على أسئلتهم ويحتكمون إليه، فيرشدهم، ويرجعون إليه في الأمور المستعصية، مما كان له وافر الأثر في تتويج المعلم وتربعه إماماً علينا، ففي ألمانيا المعلمون أعلى دخلاً في البلاد، وعندما طالب القضاة والأطباء والمهندسون بمساواتهم بهم، ردت عليهم (ميركل): رداً مزلزلاً وقالت: "كيف أساويكم بمن علموكم؟". فليُظهِر المعلم الاحترام لمن هم بين يديه ببيان فضلهم كطلاب للعلم، فهذا سيختصر المسافة للوصول إلى قلوب الطلاب، كما أن لحسن التعامل أثرا كبيراً، فكم من معلمٍ نال من الدعاء مع مرور السنين، ولو كان تحت الثرى، فعلينا تقبل الطلاب بأخطائهم، وبث روح الصحوة فيهم، ولطالما أنت المربي فالمأمول منك كل شيء جميل، لعل كلمةً منك تُشعِل في قلب الطالب الهِمة فيكون صلاحاً للأُمة، فكم من معلِمٍ كان سبباً في تصحيح توجه كثير من الشباب، فنال بذلك دعواتٍ صادقة، وحسناتٍ جارية، وكان أحد العلماء يفصل بين قلم الوظيفة وقلمه الشخصي خوفاً من أكل الحرام، فكيف بمن يهدر ما هو أثمن من الحبر؟ (الوقت)، فضلاً عن الذين يأخذون إجازات مرضية وهم أصحاء لا يعانون من شيء، فيكون قد وقع بين معصيتين، معصية الكذب وأكل المال الحرام، يقول لي أحد أبنائي بالمرحلة الابتدائية: المعلمة تقول: عادي!! تغيبوا لاستكمال المقررات، والذي يحضر سوف ينسخ طول زمن الحصة، علماً بأن هذه أيام مراجعات. ولأن التربية تأتي بالحزم والعطف وليس بالإرهاب، فخوف الطلاب من المعلم ليس دليلاً على مهارة المعلم في فنون الضبط، غير أنها فاشلة في دور التربية.. إذن ما دامت مهنة التعليم هي مهنة الأنبياء، لتخلص النية أيها المعلم لتنتفع منها، ولتتذكر أن لديك أبناء يدرسهم معلمون مثلك، فأحسن لأبناء الناس يقيض الله لأبنائك معلمين يحسنون إلى ابنك، والجزاء من جنس العمل، وهنا تحضرني مقولة: أنه لا توجد شجرة لم يهزها ريح، ولا يوجد إنسان لم يهزه فشل، ولكن توجد أشجار صلبة ويوجد أشخاص أقوياء، فلنكن منهم، خصوصاً عندما يأخذ المعلم من اليوم عبرة، ويأخذ من الأمس خبرة.. أخيراً رسالتي للمعلم: أنت تثير الدافعية والحماسة واستمتاع الطلاب، كما أنك تخطط على أساس الأهداف التعليمية الواضحة، وأنت الذي تشجع العمل الجماعي متمثلاً في روح الفريق الواحد، وتعمل على تعزيز الطلاب المادي والمعنوي، فضلاً عن إلمامك بمادتك وثقتك بنفسك ودقتك وخبراتك، التي تستخدمها في دعم عمليتي التعليم والتعلم، فإن فقدت مكان بذورك التي بذرتها يوماً ما، سيخبرك المطر أين زرعتها، لذا ابذر الخير فوق أي أرض، وتحت أي سماء ومع أي أحد، فأنت لا تعلم أين تجده ومتى تجده؟ وازرع جميلاً ولو في غير موضعه، فلن يضيع جميلٌ أينما زرع، فما أجمل العطاء!!، فقد تجد جزاءه في الدنيا أو يكون لك ذخراً في الآخرة، كما أُذكِّر نفسي وغيري، بألا نسرق قلب أحد ولا نقهره، فأعمارنا قصيرة، والبصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبُها.