17 سبتمبر 2025
تسجيليوم الأحد القادم بإذن الله، ستكون تركيا على موعد مع أبرز وأكثر انتخابات مثيرة تكون قد عاشتها، سواء الدولة بأجهزتها المختلفة أو الشعب بأحزابه وطوائفه وتنوع ميوله ومزاجه، منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية بدايات القرن الفائت. الانتخابات القادمة التي سترسم ملامح الجمهورية التركية الجديدة - إن صح وجاز لنا التعبير- ستكون أشبه باختبار جدي جديد للشعب التركي، لمعرفة مدى قدرته ووعيه ونضجه لاختيار ربان أو قائد سفينة بلدهم، في ظل محيط هائج هادر، ووسط مؤامرات أو ترتيبات أو تنسيقات ظاهرة وباطنة، من القريب قبل البعيد، المسلم وغير المسلم، لأجل ضبط حركة هذا البلد وإعادة رسم ملامحه وخططه ورؤاه الاستراتيجية من جديد، أو إن كنا أكثر وضوحاً، لتوجيه هذا البلد المحوري نحو طريق أشبه بما تم رسمه له منذ معاهدة لوزان عام 1923 التي ينتظر كثير من الأتراك، وليس كلهم، يوليو القادم للاحتفال بالتخلص من قيودها الظالمة. تركيا منذ أن تولى حكمها حزب العدالة والتنمية في 2003 بقيادة السيد رجب طيب أردوغان، الرئيس الحالي للجمهورية، نهضت بشكل ملحوظ لا يمكن التغافل عنها، لاسيما من أطراف دولية مهمة لها مع الدولة التركية صولات وجولات تاريخية، تظهر بين الحين والحين بأشكال متنوعة. نهضت تركيا مرة أخرى لتكون دولة محورية في منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة، لتمسي ذات ثقل ووزن استراتيجي، حتى صار الاصطفاف أو التحالف معها مكسباً للمتحالفين، مثلما هو بالطبع مكسب لها أيضاً، وما النمو الاقتصادي المتصاعد والمشهود لتركيا خلال عقد واحد من الزمن، رغم الكثير من التحديات، إلا دليل على تصاعد أهمية وثقل هذه الدولة، وهو ما يمكن اعتباره مكسباً للأمة المسلمة بشكل عام، قبل أن تكون للأمة التركية، وخاصة بعدما برز الدور التركي في كثير من قضايا المسلمين حول العالم، وهو ما يدعو الأمة المسلمة إلى المحافظة على هذا المكسب، بعد أن طال الزمن عليها لم تشهد خلاله انجازات ملموسة. فقد انشغلت أو تم اشغالها بصورة وأخرى بمشكلات وأزمات لا تكاد تخرج من واحدة إلا وأخرى تنتظر، وما يحدث لتركيا اليوم من تربص البعض القريب والبعض الغريب البعيد، يستدعي التنبه السريع إليه والوقوف معها، فما زال الغرب تحديداً، يحتفظ في ذاكرته بصور الجيوش العثمانية وهي تصل إلى عمق أوروبا، بل لا زال يتذكر قوة وعظمة الإمبراطورية العثمانية التي حكمت مساحات شاسعة من آسيا وأوروبا لأكثر من خمسمائة عام. إذن هي مشاهد لا تسر الغرب كثيراً، على رغم أن تركيا اليوم عنصر فاعل مؤثر في حلفهم المسيحي العسكري المسمى بالناتو. وأحسبُ أن هذا النادي وهو يرى دولة مسلمة جارة لأوروبا وقد أوشكت على أن تكتفي وتعتمد على ذاتها في كثير من المجالات، لن يكون بالأمر الهين عليه أو بالذي يمكن غض الطرف عنه، حتى وإن أبدى هذا الغرب ظاهرياً أنه على وفاق مع تركيا ! إسقاط أردوغان هدف غربي انتخابات الرئاسة التركية هذه المرة صارت محط اهتمام وأنظار العالم، كما هو الحال مع بعض أهم الانتخابات الرئاسية في العالم، وصارت فصلاً جديداً من فصول بناء الدولة التركية الحديثة، واعتبارها من الفصول المشهودة لهذه الجمهورية التي بدأت فعلياً شد الأنظار إليها منذ أكثر من عقد من الزمان، ولم تكتسب أهميتها من إنجازاتها على أرض الواقع فحسب، بل كذلك من أهمية رجل تركيا القوي، رجب طيب أردوغان، الذي كشف الغرب وبعض الشرق العربي أنيابهم ضده، وصارت وسائل إعلامهم تعادي الرجل شخصياً، وتدعو بكل الطرق والوسائل والصور لإسقاطه، في مشهد يثبت لك زيف الادعاءات الغربية ومزاعم الحريات وغيرها. لا أقول جديداً إن أشرت بصورة سريعة إلى أن هذه الانتخابات وما يصاحبها الآن من عداء غربي سافر لا أخلاق له، قد حركت الشارع الإسلامي من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، وصارت ملايين المسلمين هنا وهناك تدعو للسيد أردوغان بالفوز، وتدعو الأتراك إلى عدم التفريط بالرجل، مهما يقال عنه في إعلام الغرب والشرق، ومهما يحاول كثيرون تشويه صورته. الرجل لم يظهر له مثيل في التاريخ التركي الحديث، حتى تحول لأيقونة إسلامية ملهمة للإندونيسي والباكستاني والهندي، بالإضافة إلى العربي والإفريقي والأوروبي المسلم. صار في يقين الشعوب المسلمة، أن أردوغان هو رجل المرحلة، سواء لتركيا أو للمسلمين. وقد زاد هذا اليقين وتأكد بعد تعاظم واشتداد حملات التشويه والتحريض الغربية ضده، والتي ما تتأجج نيرانها عادة إلا بعد أن تتعرض مصالحهم للخطر - بحسب وجهة نظرهم - وأن هذا الرجل القوي خطر على استراتيجياتهم ومصالحهم بصورة وأخرى، باعتبار أن خروج أي دولة مسلمة عن التبعية للغرب، إنما هو خطر على أمنهم ومصالحهم القومية، وصار بالتالي في المشهد التركي، اسقاط أردوغان هدفا لا يقل أهميته عما جرى للدولة العثمانية قبل مئة عام، حين تم تقييدها بمعاهدات استسلام وخضوع. الشعب القطري وأردوغان الانتخابات التركية لها أهميتها في الشارع القطري، وإن كنت هنا لا أزعم أني أتحدث نيابة عنه، لكن يمكن إدراك اهتمام القطريين بالانتخابات التركية، وأنه نابع من تقديرهم واحترامهم للسيد أردوغان، ومواقفه مع قطر، وأكاد أزعم أن نسبة كبيرة من الشعب القطري تدعو الله أن يتخطى السيد أردوغان الانتخابات القادمة ويحسمها من الجولة الأولى، فإن ما نتابعه عبر وسائل الإعلام التركية وغيرها من مشاهد للمعارضة التركية، تدعو كثيرين ليس في قطر فحسب، بل جُل العالم الإسلامي، أن يستمر حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان في حكم وإدارة تركيا، لأن غيره سيعني انتكاسة متوقعة للبلد وتغييرات دراماتيكية على خرائط الأحداث في كثير من أجزاء هذا العالم، غالبيتها لا تسر محبي تركيا من غير الأتراك. وأحسبُ أن دعم الدولة التركية وزعيمها الحالي في إنجاح الحدث الأبرز في تركيا، هو موقف تاريخي يتطلبه الموقف من كل مسلم، بعدما اتضحت كمية وحجم التنسيقات الحاصلة بين قوى عربية وغربية لبث الفوضى في هذه الدولة، وتشويه صورة زعيمها التاريخي قبيل الانتخابات. أردوغان رجل المرحلة فوز الطيب أردوغان - وهو الأقوى حظاً من منافسيه - سيعطي نكهة جديدة ومميزة للدولة التركية لسنوات خمس أخرى بإذن الله، ويضعها في قائمة الدول المؤثرة على الجوار والإقليم وصولاً الى جغرافيات أوسع وأبعد، ولا أظنه سيكون شاقاً على الأتراك في اختيار الرجل الأنسب لقيادتهم، بل أحسبُ – وهو رأيي الشخصي - أنه لن يختلف كثيرون على أنه الأنسب لهم للمرحلة القادمة، بحكم الإنجازات والوقائع والاثباتات على الأرض، وبالتالي لا أظن سيختار التركي رئيساً غير أردوغان، إلا ذاك الحزبي شديد الولاء لحزبه، أو المستسلم للدعايات المغرضة من الداخل والخارج، فلا شك أنه سيختار غيره. قد يرى البعض أن الأمر نهاية المطاف شأن تركي، والأتراك هم الأدرى والأقدر على استشعار أهمية المرحلة التاريخية التي تمر بها بلادهم، واختيار قائدهم. نعم هذا صحيح، وهو رأي نحترمه، لكن من وجهة نظري الشخصية أيضاً، أرى الأمر من بعد أن تكالب الغرب وبعض الشرق ضد الرجل، ليس لتركيته القومية، بل لتركيته الدينية أو الإسلامية، صار الدفاع عنه هماً إسلامياً مشتركاً يتطلب موقفاً من المسلمين - شعبياً على أقل تقدير ولا أقول رسمياً - وأهمية دعم وتعزيز صورة هذا الزعيم التاريخي، الذي لو لم يكن له تأثير على العالم الإسلامي بشكل وآخر، لما رأيت كل ذلك التكالب الغربي عليه، ولم يكن أحد من المسلمين اهتم لأمره أو أمر ما يجري في تركيا، شأنها شأن كثير من الدول المسلمة الخاملة، والمنكفئة على ذاتها. إنها تلكم النوعية المرغوبة في هذا العالم. دول غنية لكن خاملة، لا أثر لها إلا ما يكون لصالح المتسلط على الحضارة الإنسانية الحالية، وهو الغرب تحديداً. وهذا ما يعمل السيد أردوغان على تغييره منذ زمن. وما تكراره لشعار أن العالم أكبر من خمسة – يقصد بدول الفيتو – إلا دليل على رغبة في تغيير جذري للنظام، ليس على الصعيد التركي فحسب، بل كل صعيد له علاقة بهذا البلد، وهذا سر خطورته. كل التوفيق والسداد للرجل الطيب، الذي ندعو الله أن نراه متوجاً بالنصر يوم الإثنين القادم، والناس من حوله تشكر الله وتحمده، وتحتفل به في مسجد آيا صوفيا في بث تلفزيوني مباشر للعالم أجمع، وما ذلك على الله بعزيز.