11 سبتمبر 2025

تسجيل

بعد انقضاء مائة يوم في السلطة "ما تبدّل شي" .. كلمة التونسيين لحكومة الصيد الائتلافية !؟

11 مايو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لعل العبارة الأكثر تداولا بين عموم التونسيين اليوم هي "ما تبدّل شي"، في إشارة إلى أن منظومات الحكم التي أعقبت ثورة 14 يناير 2011، لم تقدر على إحداث التغيير الذي انتفض شباب البلاد من أجل فرضه، عبر تلك الثورة التي هبّت رياحها على دول عديدة في الجغرافيا العربية.. "ما تبدّل شي"، هذه الجملة القصيرة التي تتردّد باللهجة العامية التونسية، لا تخرج من أفواه الفقراء والمساكين والمعدمين والمهمشين والمعطلين عن العمل، ولا يتفوه بها المزايدون على الحكومة من الأحزاب وذوي الحسابات السياسية ولا يرددها"المتربصون بالعهد الجديد" فحسب، إنما باتت تقولها بأسف مبطّن، الأطراف الحاكمة في البلاد، التي تقرّ بأن عجلة التغيير لم تتحرك بعد، والقطار ما يزال رابضا بمحطة الانطلاق، رغم انتظار المسافرين على طول الطريق بفارغ الصبر..حقائق شديدة المرارة...توقع التونسيون الذين اختاروا في أعقاب الانتخابات الماضية، "المنظومة القديمة المرسكلة"، كما يصفها البعض، أن تقدم لهم نموذجا جديدا في الحكم والخيارات والحلول، واستعادة هيبة الدولة التي افتقدت، وناموس السلطة التي هتك عرضها من قِبَل الجميع..لكن هل ثمة مؤشرات تحيل المرء على "تفاؤل ممكن" كما يقول ابن خلدون، خصوصا بعد مائة يوم من تشكيل حكومة "التعايش" أو "الوفاق" التي يقودها السيد الحبيب الصيد ؟الحقيقة، وهي حقيقة مرة في طعم العلقم (عافاكم الله)، أن عمليات التشخيص المتعددة، سواء كانت مصادرها أحزاب، أو منظمات أو خبراء أو مؤسسات دولية مختصة، تجمع على أن الوضع شديد التعقيد، يصل إلى حدّ الكارثة في بعض التقييمات، وأن "العملية الجراحية" المطلوبة فورا، مكلفة : فإما أن تعصف بطبقات اجتماعية أو بأحزاب أو بالنظام السياسي أو بالدولة ذاتها.. وليس أدلّ على هذا التوصيف، من تحذير حسين العباسي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة العمالية الأكبر في تونس)، مما وصفه بـ "ثورة ثانية ممكنة"، إذا ما استمرت الأوضاع على هذا النحو.. وعندما يتحدث اتحاد الشغل بهذه اللهجة، يدرك الجميع في تونس، أن الأمر ليس "لعب عيال"..لكن لماذا يتحدث العباسي بهذا الشكل الموجع والمفزع ؟ إنها حصيلة المائة يوم من عمل الحكومة، التي تعدّ إحدى المؤشرات القوية لمثل تلك التصريحات النقابية المثيرة..ما هي الحصيلة إلى حدّ الآن ؟لم تنجح حكومة "الائتلاف الوطني" التي تتشكل من أحزاب (نداء تونس) و(النهضة) و(آفاق تونس) و(الوطني الحر)، في تقديم "جرعة" أمل حقيقي للتونسيين في إمكانية تغيير الوضع الصعب في جميع مستوياته.. فالبلاد على شفا جرف سحيق أبرز علاماته :* موازنة عمومية في أزمة، تزداد استفحالا بسبب سياسة الاقتراض الأجنبي التي تضاعف من درجة ارتهان البلاد لقوى خارجية..* وضع اقتصادي شديد الهشاشة، باتت فيه القدرة الشرائية لعموم التونسيين، الأضعف منذ عدة عقود..* مطالب اجتماعية عالية، زادها إجحاف النقابات تعقيدا لافتا، فيما الحكومة لا تملك استراتيجية تفاوض اجتماعي جديدة وواضحة..* سياسة خارجية مربكة ومترددة، تفتقر إلى بوصلة واضحة، ولم تحافظ حتى على الأسس التقليدية التي عرفت بها الدبلوماسية التونسية على عهد الزعيم الراحل، الحبيب بورقيبة..* وضع الحريات، دخل نفق المحاصرة والتضييق، في الإعلام والحياة السياسية والملف الحقوقي..* ما تزال نسب البطالة في حدود مرتفعة (أكثر من 15 بالمائة)، فيما الفقر يتسع ويتمدد كما الأفعى.. وليس ثمة أية بوادر لمحاصرته أو التقليل منه..* استثمارات داخلية مثل "الفريضة الغائبة"، ووعود دولية بمشاريع ضخمة، ما تزال طيّ النصوص والتصريحات، وسط خشية من تنامي "الإرهاب المصنّع" في البلاد.. * ثورة يحاسب بعض شبابها ورموزها في المحاكم حاليا، ويجري الانتقام منهم، مع عودة الآلة البوليسية بمخاطرها الاستبدادية المكفهرة..والسؤال الموجع في ضوء هذا التشخيص هو : لماذا لم تقدر "حكومة التعايش" على إعطاء مجرد الانطباع بأنها بدأت في التغيير ؟أسباب ودوافع...أربعة أسباب رئيسة حالت، وستحول دون ذلك :1 ـ الأزمة الداخلية صلب الحزب الأغلبي في الحكم (نداء تونس)، التي عطلت مساره وألْهته في معارك (المواقع) وحسابات السلطة، وإشكالية العلاقة بين الحزب والدولة.. 2 ـ وجود "ائتلاف حاكم" لا يقوم على برنامج مشترك، وغير مؤسس على آليات وميكانيزمات عملية.. ائتلاف تجمع بينه المتناقضات وعدم الانسجام والحذر المبطن، أكثر من العناوين المطلوبة في حدّها الأدنى لأي ائتلاف حاكم..3 ـ دخول لوبيات مالية وحزبية وأمنية كثيرة على خط السلطة، حيث باتت شديدة التأثير "من وراء ستار"، ما يضفي الكثير من التشويش في الرؤية والتقييم والمعالجة، فضلا عن خطورة ذلك على إدارة الحكم ومستقبله..4 ـ محاولة تغيير الوضع الراهن بقوانين قديمة، وإدارة فاسدة، وآليات عمل لم يطرأ عليها أي تعديل أو تغيير...لا شك أن الائتلاف الحاكم، ورث تراكمات السنوات الأربع الماضية، وبالتالي قد لا يتحمل كل المسؤولية في وضعه الراهن.. لكن للعرب قول مأثور : "البعرة تدلّ على البعير.. وأثر السير يدلّ على المسير.."، وفي وضع الحكم الراهن، لا وجود لأثر ولا لسير واضح المعالم.. فالسلطة مرتبكة، ليس في خياراتها فحسب، إنما في تصورها للحكم أيضا، وفي مستوى شجاعتها في اتخاذ القرارات المطلوبة، وفتح الملفات التي يعدّها الخبراء "مفاتيح" لأي وضع جديد..نحن استثناء في العالم العربي، أي نعم ! وتونس أنموذج في المنطقة، وهو كذلك ! لكن هذه "المكاسب"، تحتاج إلى استراتيجية عمل، وأدوات جديدة للتغيير، وائتلاف حاكم حقيقي وليس مغشوشا، و"رجال" قادرين على أن يقولوا الكلمة المطلوبة في الوقت اللازم، قبل أن تفاجئ الثورة الثانية الجميع، وهي اليوم تطل بإرهاصاتها من كل باب..