16 سبتمبر 2025
تسجيلبالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة يثور الجدل في السودان حول الصحافة التي تعاني أوضاعاً اقتصادية مزمنة، فضلاً عن مضايقات أمنية يومية ممثلة في الرقابة القبلية التي عادت أكثر شراسة بعد توقف لحين.. الاتحاد العام للصحفيين السودانيين اكتفى بإصدار بيان جدد فيه اعتراضه على الإجراءات الاستثنائية التي تجأر بها الصحافة السودانية وذلك مبلغ ما يمكن أن يتخذه من مواقف، ودعا في بيانه إلى وقف كافة أشكال الرقابة على الصحف، وإيقاف الصحفيين ومنع بعضهم من الكتابة، داعيا في الوقت ذاته للاحتكام إلى القانون في المخالفات الصحفية، وأبدى الاتحاد رفضه لفكرة إنشاء نيابات للصحافة بولايات السودان المختلفة لأنها في رأيه تمثل نوعا من أنواع محاربة الصحافة والصحفيين، وطالب بتطبيق العقوبات المدنية في قضايا النشر الصحفي، بدلا من العقوبات الجنائية... وزير الإعلام الذي شارك في احتفال الاتحاد عبر عن عدم سعادته بالرقابة القبلية وإيقاف الصحف والصحفيين، لكنه حاول تبرير تلك الإجراءات التعسفية بحالة الحرب وعدم الاستقرار التي تمسك بتلابيب البلاد.. الإيقاف الإداري والترخيص بإصدار الصحف ليس من اختصاص وزارة الإعلام بل هو من اختصاص المجلس القومي للصحافة الذي يتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية، وبالتالي لا ولاية مباشرة للوزير على الصحافة. مجلس الصحافة الذي يضم لجنة اسماها لجنة ترقية أخلاقيات المهنة، لديه مآخذ على الأداء الصحفي ويرى أن الخطاب المستخدم تدهور كثيرا في اتجاه معاكس للقيم والمثل.. نماذج تحريره عرضها أحد أعضاء المجلس القومي وصفها بغير اللائقة في ندوة موضحاً أن الأمانة العلمية تقتضي الإشارة لذلك (الغثّ) طالما نحن في إطار معالجة وتصنيع دواء لذلك الداء.. الندوة حملت عنوان (تأصيل وترقية أخلاقيات مهنة الصحافة).. (3) ورقات مهمة رفعت درجة حرارة النقاش؛ الأولى بعنوان (الصحافة بين المهنة والرسالة)، والثانية (ضوابط ومواثيق العمل الصحفي)، والثالثة (نماذج للمخالف الصحفية والإدانة والعقوبات)، والأخيرة كانت الأكثر إثارة للجدل. عند تعقيبي على الورقة المثيرة ذكرت واقعة سمعتها من صحفي مخضرم من جيل صحافة الستينات ويرأس حالياً لجنة مساءلة ومحاسبة الصحفيين باتحاد الصحفيين، يقول الرجل إن كلمة اغتصاب لم تكن تستخدم مطلقا حتى في أخبار الجريمة، وفي مرة أوردت إحدى الصحف عبارة (إسرائيل تغتصب الأراضي الفلسطينية)، فقامت الدنيا ولم تقعد وحوسب الصحفي (المدان) بالإيقاف (15) يوماً.. لكن لن أحدثكم عن مفردات اليوم فهي معلومة.. قناعتي أن الإثارة ليست كلها جريمة بل مطلوبة لتسويق المادة الصحفية وهي أحد أهم عناصر الخبر الصحفي، وذكرت في تعقيبي أن رئيس تحرير وناشر صحيفة ألوان التي بدأت بها حياتي المهنية كمحترف، استخدم مرة الإثارة في مثال قوي للاستخدام (البريء).. ففي العام 1987م كتب الزملاء في القسم الرياضي (مانشيتا) نمطيا عن مباراة الهلال والمريخ وجاء فيه (المريخ يكسب الهلال هدفا مقابل لا شيء)، وكان حينها يلقب مشجعو نادي المريخ (المريخاب) بـ(الصهاينة) فيما كانت الأخبار السياسية مفعمة بأحداث انتفاضة أطفال الحجارة في فلسطين الجريحة.. رغم أن شعار المريخ (نجمة خماسية)، إلا أنه اعتبر الأقرب لنجمة داؤود (سداسية) عند الإسرائيليين.. المباراة تخللها احتجاج من جماهير نادي الهلال على حكم المباراة وقد أمطروا الملعب بحجارة كثيفة كحجارة طير الأبابيل.. جاء رئيس التحرير والصفحات في طريقها إلى المطبعة، لكنه أوقفها وغير (مانشيت) الرياضة إلى (الصهاينة يحبطون ثورة الحجارة)، وجعله أيضا (مانشيتا) رئيسياً للصفحة الأولى التي كان عادة ما يتصدرها (مانشيت) سياسي.. أعتقد أنه لا تعارض بين الإثارة الحميدة والسعي للربح والانتشار وبين الضبط الأخلاقي.. فكل صحيفة تعتمد على مصداقيتها وترتكز عليها.. ومهما اختلفت فلسفات الصحف إلا أنها يجب أن تجمع على مبادئ الحقيقة والدقة والموضوعية والحياد الإيجابي والتسامح والمسؤولية. هناك اليوم في السودان أكثر من (50) صحيفة بين يومية وأسبوعية وسياسية واجتماعية، وهذا عند البعض مؤشر لوجود هامش مقدّر من الحرية الصحفية، لكن هذا الرأي يجد من يعارضه ويركز على أن وجود الإجراءات الاستثنائية أيّاً كانت المبررات يدحض القول بوجود هامش حرية صحفية في البلاد.