14 سبتمبر 2025

تسجيل

مرض الرئيس بوتفليقة وغموض حول استمراريته (1)

11 مايو 2013

في الديمقراطيات الكلاسيكية الغربية، الحالة الصحية لرئيس الدولة جزء لا يتجزأ من الحق الديمقراطي، الذي يجب على الشعب أن يعرفه بكل تفاصيله، لاسيَّما أن الدولة هناك هي دولة الكل الاجتماعي، لا دولة حزب حاكم، أو عائلة، أو شخص بمفرده، مهما عظمت قدراته. لكن في الحالة الجزائرية الوضع يختلف، إذ أن اعتادت الرئاسة الجزائرية على إحاطة الملف الصحي للرئيس بسرية تامة ومع ذلك، فقد تعرض الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (76 عاماً) لجلطة دماغية "عابرة" يوم 28 أبريل 2013، وأعلن مدير المركز الجزائري للطب الرياضي رشيد بوغربال أن بوتفليقة "لم يتعرض لآثار مستعصية" إثر نوبة إقفارية (جلطة دماغية) "عابرة"، مضيفاً أن "الوظائف الحركية والحسية لم تتأثر"، وأن الجلطة "لم تدم سوى لوقت قصير"، مشيراً إلى أن "الإصابة ليست حادة وتتراجع من دون أن تخلف تأثيرات". وأضاف أن الرئيس يحتاج إلى "إجراء فحوصات إضافية وأن يخضع للراحة لتجاوز التعب الذي سببته له هذه الوعكة" التي رجح أن يكون سببها "تصلب على مستوى الشرايين". وكان الرئيس بوتفليقة نقل على وجه السرعة إلى المشفى العسكري في باريس (فال دو غراس) لاستكمال فحوصات طبية بعد «النوبة الدماغية العابرة»، التي أصيب بها ظهرا، الأمر الذي أحدث ضجيجاً في الجزائر، وطرح العديد من التساؤلات من حيث سرعة الإعلان الرسمي عن مرضه، وقدرته على الاستمرار في مهامه قبل عام واحد فقط من الانتخابات الرئاسية، بعدما قاد البلاد 14 عاماً. لا شك أن خبر مرض الرئيس كان له وقع الصاعقة على الرأي العام الجزائري والطبقة السياسية الحاكمة. فقد صرح الرأي العام الجزائري كعادته في خياله الاجتماعي، كمختلف الشائعات المجنونة:"طالما أذاعوا الخبر، فلابد أن يكون في الأمر خطورة". بينما نجد آخرين يستعيدون الحجة عينها، لكنهم يعكسون النتيجة: "لو كان الأمر فيه خطيرا، لما قتلوا المعلومة كما في السابق عقب مرض هواري بومدين ". لماذا الحديث عن مرض الرئيس عبدالعزيز بونفليقة لأنه مرتبط بقدرة الرئيس على ممارسة السلطة، وبمستقبل الجزائر،لاسيَّما وأن هناك موعدا استحقاقياً انتخابياً رئاسياً في عام 2014. وفي ظل غياب صور تلفزيونية تظهر لنا الرئيس بوتفليقة وهو في حالة نقاهة في باريس، تنتشر الإشاعات الأكثر ذعرا. ويتذكر الجزائريون الأشهر الطويلة من الكتمان التي ضربت على مرض ثم رحيل الرئيس بومدين، في نهاية عام 1978. على المستوى الرسمي، كان الخبر الذي تسوقه السلطات إلى الشعب، أنه في زيارة صداقة إلى الاتحاد السوفيتي.وفي الواقع، كان يتلقى العلاج في الخارج.وفي مثل هذه الحالة يصبح الحذر والشك والريبة أمورا مقبولة.فرجل الشارع يعتقد أن السلطات الجزائرية تخفي عنه بعض الأسرار. والحكومة الفرنسية تتخفى خلف سرية التقرير الطبي لكي تتجنب أسئلة الصحفيين المحرجة. للرئيس بوتفليقة سابقة مرضية، إذ كان يشكو من مرض كلوي مزمن، يتمثل في وجود تجويفات غير سرطانية، يمتد طولها من 1 إلى 10 سنتيمترات. وتعرقل هذه التجويفات العمل الطبيعي للكلي، ويتطلب علاجاً منتظما ًوصارماً. وخضع بوتفليقة نهاية العام 2005 إلى عملية جراحية لعلاج "قرحة أدت إلى نزيف في المعدة" في مستشفى "فال دو غراس"، ووقتها فتح النقاش حول إمكانية إكماله لثلاث سنوات رئاسية من ولايته الثانية والأخيرة، بحسب دستور العام 2006 قبل تعديله. وفي العام 2007، أكد بوتفليقة أنه كان "مريضاً فعلاً"، ولكنه تعافى، وبدأ بالتحضير لتعديل الدستور، خصوصاً المادة التي تُحَّدِدُ الولايات الرئاسية باثنتين، حتى يتمكن من الترشح لولاية ثالثة في العام 2008، وهو ما حصل فعلاً. في خطابه الشهير الذي ألقاه في مدينة سطيف الجزائرية يوم 8 مايو 2012، قال الرئيس بوتفليقة، إن جيله، الجيل الأول الذي قاد حرب التحرير الوطنية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وأنجز الاستقلال الوطني، والذي وُلِدَ بين العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، وهو يمارس السلطة منذ ما يزيد على نصف قرن،عليه أن يقوم بعملية انتقال سلس للسلطة للجيل الثاني الذي وُلِدَ في السّنوات الأخيرة من حرب التّحرير (1954-1962) وبدايات الاستقلال،الأمر الذي فهمه المراقبون بأن الرئيس بوتفليقة لن يترشح لولاية رابعة، علما ً بأن الدستور الذي تم تعديله في عام 2008، يسمح له بذلك.فالانتقال السّلس في الجزائر، يعني انتقال السُّلطة السّياسيّة من الجيل الّذي قاد ثورة التّحرير وأنجز الاستقلالَ الوطنيّ إلى الجيل الثاني، باعتباره جيلاً أحسنُ تعليمًا وأكثرُ مدنيّةً من الجيل الأوّل، على رأي مثقف جزائري. وفي الوقت الذي كانت فيه النخب، والرأي العام، والطبقة السياسية، تتهيأ لعملية انتقال السلطة خلال الاستحقاق الرئاسي المقبل، من خلال عدم ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، تجددت حملة سياسية قادتها أحزاب، وشخصيات سياسية من الصف الأول، تطالب بولاية رابعة للرئيس بوتفليقة. ومن بين القيادات البارزة لهذه الحملة، عمار غول، النجم الصاعد في فضاء السياسة الجزائرية، وهو ينتمي إلى التيار الإسلامي، وهو عضو في كل الحكومات المتتالية التي ترأسها بوتفليقة منذ مجيئه إلى السلطة عام 1999. من وجهة نظر المحللين الملمين بالشأن الجزائري، يعتبر سحب الثقة لبلخادم ضربة موجعة لمستقبله الرئاسي، إذ كان بلخادم يُعِدُّ نفسه لخلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، في حال قرّر بوتفليقة عدم الترشح لولاية رابعة.وترافقت الإطاحة بعبد العزيز بلخادم في شهر فبراير 2013،بعد التنحية "الطوعية" للسيد أحمد أويحي الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، الحزب الثاني الشريك في الأغلبية البرلمانية الحاكمة، في يناير 2013، حيث كانت الأوساط السياسية الجزائرية تطرح الاسمين كمرشحين محتملين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. فالإطاحة بعبد العزيز بلخادم، والتنحي الطوعي لأويحي، لها علاقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2014، حيث يتحدث المحللون الجزائريون بأن هذين الحزبين التوأمين: حزب جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، قد تخليا عن الرئيس بوتفليقة. بشهادة المقربين من الرئيس بوتفليقة، فإن صحته لا تسمح له بممارسة السلطة لفترة طويلة، فحتى عندما يستقبل الرئيس بوتفليقة ضيفاً قادماً إلى الجزائر، سواء أكان رئيس دولة أو مبعوثا خاصا، كان الفريق الرئاسي الملازم دائما له، يأخذه إلى مصحة في سويسرا لكي يستعيد شيئاً من لياقته. وكالعادة، فإن الفريق المرافق لبوتفليقة يتكون من الأخوين المستشارين للرئيس: سعيد وناصر بوتفليقة، والبروفسور المشرف على رئيس الدولة مسعود زيتوني المتخصص في الأورام السرطانية. وتسمح هذه المعالجة في المصحة السويسرية للرئيس بوتفليقة بمواجهة المجهودات الفيزيائية التي يتطلبها النشاط الرئاسي. الرئيس بوتفليقة يقيم معظم أوقاته في منتجع زرالدا السياحي التابع ملكيته للدولة الجزائرية، والواقع على مسافة 70 كيلومترا من العاصمة الجزائرية، وهو نادرا ما ينتقل إلى قصر المواردية الرئاسي، أو جنان المفتي لاستقبال الوفود الأجنبية، إلا عندما تقتضيه الروزنامة ذلك. وينص الدستور الجزائري أن رئيس الغرفة الثانية (الشيوخ)يشغل قصر المرادية في حال وفاة الرئيس أو عائق دائم لرئيس الدولة. بيد أنه في حال مرض رئيس الجمهورية لا يمكن اعتباره عائقا أو حتى أيضا شغورا عن السلطة. ولم يكن تعديل الدستور الجزائري في عام 2008، يستهدف إزالة تحديد الولايات الرئاسية باثنتين فقط، وإنما كان يستهدف أيضاً إحكام الرئيس بوتفليقة قبضته على النظام الرئاسي السائد في الجزائر، من خلال تحجيم صلاحيات رئيس الحكومة. الأمر الذي يتناقض مع الإصلاحات الديمقراطية التي دشنتها الجزائر عقب انتفاضة أكتوبر في عام 1988. ويعتبر بوتفليقة من الناجين من تطاحنات الحرب الباردة.ففي زمن تلك الحرب والاستقلالات الإفريقية، كان العالم الثالث على موعد مع الثورة المسلحة. وكان كينيدي متمترس في البيت الأبيض، وخروتشوف في الكرملين، والجنرال ديغول في قصر الإليزيه. وفي فرنسا بدأ الحديث عن جيسكار ديستان، أما شيراك فقد كان مجهولا. في غضون ذلك، نالت الجزائر استقلالها، وكان الشاب بوتفليقة، بعد أن قضى وقتا قصيرا على رأس وزارة الشباب، والرياضة، والسياحة، استلم وزارة الخارجية لمدة 16 سنة متواصلة، تنقل خلالها بين القدس الشرقية قبل احتلالها، ونيويورك، مرورا ببكين وموسكو، وباريس.لقد كان في كل مكان يدافع عن الجزائر التقدمية في المحافل الدولية، والتي كانت حلم كل الذين يعتقدون حلول غد أفضل للشعوب المضطهدة.وها قد مر أكثر من نصف قرن، والرجل نفسه، الناجي من عهد ولى، يستلم رئاسة الجزائر في عام 1999، ولازال مستمرا في هذا المنصب، بينما نجد زملاءه الجزائريين الثلاثة غيبهم الموت خلال هذه السنة. ورغم أن تاريخه تخللته مرحلة من العبور لصحراء السياسة القاحلة، إلا أن مسيرته، قبل وكما هي بعد 1962، تاريخ استقلال الجزائر،تبنت مقولة الجزائر التي تعانق عصرها.ولأنه رئيس دولة فتية، ومن دون تقاليد ثقافية ديمقراطية، يتغلب السياسي أيضا على التاريخ في هذه الحياة الغنية حيث من الصعب جدا على الحقيقة أن تفرض نفسها. الجزائر تعيش الآن حالة من القلق،والترقب، والانتظار،والخوف من المجهول –المعلوم القادم. وفي معظم الأوساط الشعبية، يقول الجزائريون إن الرئيس بوتفليقة هو الذي جلب لنا السلم بعد عشر سنوات من الحرب الأهلية الطاحنة.فالفضل في وضع حد للإرهاب، والإتيان بالهواتف الجوالة،وارتفاع أسعار النفط، وهطول الأمطار، يعود إلى بوتفليقة، حسب أقوال عامة الناس الذين يمتلكون حسا سياسيا بسيطا. وحتى داخل السلطة الجزائرية لا يجرؤ أحد على معرفة الحقيقة.. يقول أحد من السرايا:إن رئيس الدولة أنشأ حواجز حوله. فقد ألغى كل الذين لا يمتون إليه بصلة الدم خلال السنوات الماضية. في الوقت الحاضر، هو بين أيدي أخويه:مصطفى، الطبيب، وسعيد، المستشار. والاثنان متواجدان إلى جانبه في باريس، وكذلك أخته.إنهم الوحيدون الذين يعرفون عن مرض الرئيس بوتفليقة، وقد تربوا في ثقافة السرية ولا يبيحون بالسر. ويبدو أن البلاد تعاني الآن من الجمود.فالمؤسسات معطلة.والرئيس بوتفليقة يحتكر السلطات كلها. والنتيجة باتت معروفة: لا يمكن لأحد أن يتخذ قرارا في غيابه. وحسب قول مثقف جزائري، تعيش مؤسسة الرئاسة الجزائرية فراغا سياسيا حقيقيا. ولا يوجد الآن سوى "حارس المعبد "، الجنرال توفيق مديان، رئيس الاستخبارات العسكرية الجزائرية. وهو الشخص الوحيد الذي لم يتم إزاحته من قبل بوتفليقة، بل إنه حافظ على تأثيره عليه.