18 سبتمبر 2025
تسجيليلفت النظر أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردغان بات يكرر من دون ضوابط مقولة إن تركيا قد تلجأ عند الضرورة إلى طلب نجدة حلف شمال الأطلسي لحماية حدودها مع سوريا. في آخر كلام بهذا الخصوص الحوار الذي أجرته معه صحيفة إيطالية وذكّر فيه بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف الذي يعتبر أي عدوان على عضو فيه اعتداء على كل الحلف. وكان أردوغان ومسؤولون أتراك آخرون قد لمّحوا بداية ثم عبّروا بصراحة عن نيتهم الاستنجاد بالحلف فيما يتعلق بالأزمة السورية عندما اقترب القتال بين الجيش السوري ومعارضيه المسلحين من منطقة الحدود التركية حيث اخترقت رصاصاتٌ الحدودَ ووصلت إلى مخيم كيليس القريب منها حيث قتل شخص وجرح آخرون. يطرح الاستنجاد بالأطلسي أسئلة كثيرة ويفتح نقاشا حول طبيعة الدور الذي تقوم به تركيا في المنطقة منذ أن انتمت إلى المحور الغربي بعد الحرب العالمية الثانية. فتركيا بعد تلك الحرب انضمت إلى الكتلة الغربية والتزمت بما تطلبه من مستحقات عملية على الأرض. من ذلك مثلا تغيير طبيعة النظام السياسي من سلطة حزب واحد إلى تعددية حزبية في العام 1946.ومن بعدها كان الاعتراف بإسرائيل في العام 1949 أحد أبرز محطات الانتماء التركي إلى الغرب. وفي العام 1952 انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي. وما لبثت أن كانت شريكة في العديد من الأحلاف المتعددة الأطراف والمعادية لحركة التحرر العربية وأبرزها حلف بغداد. ومع أن تركيا حاولت اتباع سياسات متوازنة في بعض اللحظات غير أن علاقاتها بإسرائيل والغرب استمرت الراجحة على حساب العلاقات العلاقات مع المشرق بكل أطرافه. ولا يبدو أن علاقة أنقرة بحلف الأطلسي لها علاقة بطبيعة السلطة المسيطرة في أنقرة. فالعلاقة الأطلسية لتركيا استمرت قوية في كل المراحل ولم تشبها شائبة في أي وقت. كان ذلك في عهد المتشددين من العلمانيين وفي عهد الانقلابات العسكرية المباشرة كما في عهد الحكومات المشتركة بين العلمانيين والإسلاميين في السبعينيات والتسعينيات والتي كان رأس الجانب الإسلامي فيها نجم الدين أربكان. وإذا كان يمكن القول أن عدم تفرد أحزاب أربكان بالسلطة كان عامل لجم لتطبيق طروحاته المعادية لحلف شمال الأطلسي،غير أن الوضع مع حزب العدالة التنمية كان مختلفا. فالحزب الذي ترأسه رجب طيب أردوغان والذي طبعته الميول الإسلامية الواضحة نجح في العام 2002 أن ينفرد بالسلطة برلمانا وحكومة ورئاسة جمهورية. وما لبث خلال أعوام قليلة أن غيّر النظام السياسي كلية من خلال تعديل قوانين القضاء والمؤسسة العسكرية فوضع يده عليهما كما فرض نظاما تربويا جديدا يخدم أفكاره. ومع أن النظام السياسي في تركيا برلماني ديمقراطي غير أن الجميع في الداخل والخارج بات ينظر إلى هذا النظام على أنه نظام الحزب الواحد وإن جاء عبر انتخابات ديمقراطية. ومع أن سياسة الانفتاح على العرب والمسلمين أعطت أملا في أن تعيد تركيا النظر في علاقاتها مع الغرب وإسرائيل غير أن الحسابات الجيو استراتيجية لتركيا حالت دون أن تذهب تركيا إلى التخفيف من علاقاتها مع هذا المحور فاستمرت علاقاتها مع إسرائيل وإن شابها أحيانا بعض التوتر فيما تعززت علاقاتها مع الغرب ولاسيَّما مستوى مشاركتها كعضو في حلف شمال الأطلسي. ومن هذه المشاركات الفعالة النوعية عمليات الحلف في أفغانستان رغم أنه لا يوجد قرار من مجلس الأمن بهذا الخصوص. كذلك شاركت تركيا في عمليات الحلف ضد ليبيا للإطاحة بالعقيد معمر القذافي. وجاءت خطوة نشر رادارات الدرع الصاروخي الأطلسي على الأراضي التركي ليشكل المساهمة الأبرز على صعيد تثبيت انتماء تركيا الأطلسي في مواجهة محيطها العربي والإسلامي والروسي والذي اعترته إيران استفزازا لها ونعتت تركيا بشتى النعوت. أما روسيا فقد أعلنت صراحة أنها ستمتلك القوة الضرورية لتدمير الدرع الصاروخي في شرق أوروبا وفي تركيا. وإذا كان مفهوما أن تتحرك تركيا أطلسيا في مواجهة أي تهديد كونها عضوا فيه، غير أن تصريح أردوغان الأخير إلى الصحيفة الإيطالية يثير تساؤلات حيث إن الوضع في سوريا لا يهدد عسكريا تركيا. وحتى إذا كان ذلك فإنه لا يستدعي تدخلا أطلسيا.مع التذكير أن حادثة أكثر خطورة حصلت في العام 1998 عندما هدد الرئيس التركي سليمان ديميريل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بأن الجيش التركي سيدخل سوريا من الشمال ويخرج منها من الجنوب إن لم تسلّم دمشق زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجالان وكان له ما أراد من دون أن يهدّد بالاستنجاد بحلف شمال الأطلسي. من مجمل ما تقدم يتبين أن روابط تركيا الأطلسية أقوى من أن يزعزعها تبدل السلطات في أنقرة من علمانية أو عسكرية أو إسلامية. وهو أمر يوجب التعاطي مع تركيا على هذا الأساس بكل ما يمثله حلف شمال الأطلسي من تاريخ وأهداف وعداء للقضايا العربية والإسلامية.