17 سبتمبر 2025
تسجيلنظر كثير من السودانيين إلى إعادة ضخ البترول من منطقة هجليج باعتباره ملحمة وطنية، بل التحرير الحقيقي لتلك المدينة البترولية الإستراتيجية التي تعرضت لهجوم شرس واحتلال دام (10) أيام من قبل جيش دولة جنوب السودان.. وهجليج ليست مجرد مدينة عادية، فهي السلة التي يضع فيها السودان أهم منشآته النفطية، ويزيد إنتاجها على نصف إنتاج البلاد.. لقد كان بالفعل عملا خارقا وغير مسبوق.. صحيح أن الجيش الشعبي الغازي لم يكن ليمكث كثيرا في هجليج، بيد أن الهدف المحوري له كان تخريب البنيات التحتية للمنشآت البترولية ولذا كان التدمير ممنهجا ومصوبا بشكل دقيق نحو المفاصل الأساسية لتلك البني الإستراتيجية.. إعادة الضخ في زمن قياسي (9) أيام خيب آمال جوبا التي لم يكن يهمها كثيرا بقاء قواتها في هجليج بقدر ما كان يهمها توقف شريان البترول، فالحرب هدفها اقتصادي.. لم يكن طريق إصلاح الأعطاب مفروشا بالورود على الإطلاق، فقد مرّ العمل المضني والشاق بظروف صعبة في ظل انعدام أبسط الخدمات والمعينات التقنية الضرورية.. هناك ظلت ثلة من المهندسين والفنيين السودانيين قابضة على الجمر زغم الحواصل لا ماء ولا شجر.. هناك في هجليج المدمرة صار يوم الثأر من الجراح عند أولئك الشباب عيداً، فقد أحيط بهم فما وهنوا ولا جزعوا.. كان لسان حال الشباب يقول إن فجر المستقبل يكافح ظلامات مجلس الأمن في قوة.. نعم قالوا إن ظُلم العالم كله عاجز عن إطفاء شمعة توقد في هجليج.. لقد أكدوا أن الثقة بالنفس هي أول ما يمكن توفره لتحقيق الأعمال الجليلة الباهرة. كان وزير النفط السوداني د. عوض الجاز يجاري أبناءه الفنيين ويسابقهم في العمل والإنجاز فقد بقي في هجليج حتى انتهت المهمة.. كان الوزير الذي كرمته الدولة بمنحه وساما رفيعا وهو (وسام ابن السودان البار)، يلقي من منصته الأستاذية أبلغ الدروس في الصبر والمثابرة وقوة الإرادة والتصميم. الولايات المتحدة، أكبر مستهلك ومستورد للنفط الخام في العالم، هي الخاسر الأكبر من عودة ضخ النفط بينما الرابح الأكبر هي الصين.. خسرت واشنطن لأن خطتها لإسقاط نظام الخرطوم عبر خنقه اقتصاديا لم يحالفها النجاح لتسرع جوبا واستعجالها وعدم تريثها، ولذا هناك اعتقاد متصاعد في الخرطوم بأن قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2046) جاء لإنقاذ جوبا وكبح جماح الخرطوم التي قدم لها احتلال هجليج (هدية) بالتفاف جماهيري حولها كانت في أمسّ الحاجة إليه. يحدثنا تاريخ النفط في السودان أنه بعد توقيع اتفاقية أديس أبابا (1972م) في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، والتي أوقف الحرب بين شمال السودان وجنوبه حينا من الدهر، أنها فتحت المجال للاستثمارات البترولية في السودان، وتولت المهمة شركة شفرون الأمريكية في العام 1974م، والتي وتعمل في أكثر من 180 بلدا حول العالم وتعتبر واحدة من أقوى وأكبر ست شركات في العالم في مجال النفط. فقامت شفرون باستثمار مليار دولار أمريكي، وأكملت حفر 52 بئرا، منها 34 بئرا جاهزة تقريباً للتشغيل. وفي العام 1981م، أعلنت شيفرون اكتشافها حوض هجليج حيث يدور الصراع اليوم بين الخرطوم وجوبا، بتقديرات مخزون تجاري من البترول في حدود 236 مليون برميل. في العام 1984م وبدون مبررات مقنعة أوقفت شيفرون أعمالها في السودان بعد عشرين عاماً من النشاط. وقيل إن السبب الحقيقي أن حسابات واشنطن استغلال نفط السودان بعد العام 2020م، ولا داعي لاستغلاله حينئذ طالما نفط الخليج يتدفق. لم يكن في تقديرات واشنطن أن تقوم شراكة إستراتيجية بين السودان والصين تربك حساباتها النفطية وترتيباتها لاستغلال مخزونات النفط العالمية وفقا لمصالحها وحسب.