14 سبتمبر 2025

تسجيل

في ظل الحكومة الجديدة .. لبنان إلى أين؟

11 أبريل 2013

حالة الاستقطاب السياسي والفئوي الحاد في لبنان وتغلغل الحالة السورية في أخص خصوصياته الأمنية والسياسية إضافة للتهديد الصهيوني والحرب الأهلية التي استمرت أكثر من خمس عشرة سنة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي والتي لم تجف ذكرياتها وإفرازاتها الحزبية والولائية وما وصلت الأحداث إليه من اغتيالات مستهدفة وتمردات على الجيش واشتباكات على الحدود مع سوريا وأخيرا سقوط حكومة "نجيب ميقاتي" بعد انتقال الأكثرية إلى أقلية وبالعكس.. على خلفية هذا الكم الهائل والمعقد والشائك والمفتوح على كل وعلى أسوأ الاحتمالات اعتمد البرلمان اللبناني بأغلبية 80 عضوا من الـ128 السيد "تمام سلام" الذي ينتمي لتيار المستقبل لتشكيل ورئاسة الحكومة القادمة. السيد "سلام" صدرت عنه تصريحات يمكن أن تكون مطمئنة، وأن تفتح نافذة أمل في أن يستطيع المرور بلبنان إلى بر الأمان شريطة أن يظل مقبولا لدى الفريقين وأن يكون قاصدا ما صرح به ويصر عليه.. فقد أعلن أنه يميل إلى التوافق وأنه يأخذ بالحسبان خطورة الحالة الراهنة.. لكن وفي كل الأحوال لا يمكن أن يكون رئيس الوزراء الجديد وحده ومهما كانت وسطيته وحرصه على التوافق الرهان الوحيد لهذا المرور الآمن ما لم يحسن الفرقاء اللبنانيون المختلفون والمتداخلون الإقليميون والخارجيون المتناقضون تقدير الموقف ويتنبهوا لخطورة الحالة اللبنانية وأولوية الاستقرار في هذه المرحلة وما لم يتجنبوا الانزلاق إلى مستنقع الكيدية السياسية في تشكيل الحكومة وفي التعاطي معها ومع الملفات المتفجرة بين يديها.. وأقول: أما السيد "سلام" وبصفته ودوره الجديد فإن عليه أن يخرج من كولسات تياره السياسي "المستقبل" ومقتضيات تحالفاته الإقليمية غير البريئة.. وأن يتجنب المنازعات وتصفية الحسابات القديمة مع المقاومة وسلاحها مهما كان موقفه السابق وقناعاته تجاه هذه القضية.. وذلك لسببين؛ الأول؛ أن ملف المقاومة وسلاح الحزب ملف تناقض لا توافق، والثاني: أن هذا الملف يمكن تأجيله بالأخص مع وجود العدو الصهيوني وغدراته واختراقاته المستمرة.. فلا يجوز أن يسقط هذا العدو من الاعتبار في أي وقت وتحت أي ظرف لا مع لبنان ولا مع غيره وقد أثبتت التجربة والتاريخ القريب أن ما يستطيع أن تقوم به المقاومة الشعبية كحماس وحزب الله في مواجهة العدو لا تستطيعه لا الدولة اللبنانية ولا السلطة الفلسطينية وربما ولا غيرها من الدول والجيوش الرسمية.. هذه المعادلة التي جمعت حزب الله بالوطنية اللبنانية ثم بمواجهة العدو الصهيوني لا يجوز أن تمس مهما ادعى رافضو سلاح الحزب غير ذلك ومهما رفعوا من اللافتات التي تتجاهل هذه الخصوصية التخوف أن تغري تبدلات الوزن السياسي والشعبي لصالح فريق رئيس الحكومة الحالي في لبنان، وظواهر تحالف تيار المستقبل مع الثورة السورية، ونشوة ما تحقق من انتصارات وربما تسقط النظام السوري قريبا، إضافة للضغوطات من هنا وهناك "من أمريكا وإسرائيل ومن تبقى من دول الاعتدال العربي تحديدا"، أن تغري السيد "سلام" بالاحتكاك بسلاح الحزب، غافلا عن خصوصية الحالة اللبنانية، ومتجاهلا قوة الحزب الحالية واحتياج لبنان لها في هذه المرحلة على الأقل.. فإن انهزم الحزب فلن يكون إلا لصالح إسرائيل في المنطقة، وإن تكن الأخرى فهي الفتنة والحرب الطائفية التي قد تمتد تداعياتها وتفاعلاتها خارج لبنان. هذا ما على رئيس الحكومة الجديد وعلى فريقه، وفي مقابله فإن على الحزب وفريقه وداعميه في المقابل ألا يعطوا مبررا لأحد أن يتآمر عليهم أو أن يستهدفهم، وعليه أن يخرج سلاح المقاومة من نتن الصراع المذهبي، ومن مكرهة المناكفات الحزبية، ومن مغامرات الرهان على طول عمر النظام السوري الفاسد البائد الفاشي المتلاشي، وألا يجعل سلاحه الثوري المقدس أداة لتهديد الداخل اللبناني أو التأثير على نسبه ومقوماته.. هذا وإلا فما رأيناه حتى الآن من خسارة الكثير من الوجاهة الوطنية والثورية والإسلامية ومن تفرق الحلفاء والرأي العام عنه خير شاهد ومحذر.. على الحزب إن شاء أن يحتفظ بسلاحه أن تكون نظرته أبعد مدى، وأن يحتفظ ببقية من قيم الوطنية واللياقة الثورية، وأن يعتزل التطرف الشيعي الذي جمع إيران والنظام السوري ونظام نوري المالكي العراقي، وعليه أن يرى هذا التحالف الشيطاني الاستبدادي العفن كما هو عليه من الحقيقة وعلى أرض الواقع، وعليه أن يكون صريحا في إعلان نفسه جزءا من الحالة اللبنانية ثم القومية، وأن يستعيد خطاب المقاومة، وأن يرمم علاقته مع الثورات العربية وطموحات الثوار.. فالمفاهيم الثورية لا تتجزأ ولا يمكن أن يكون أحد أو حزب ما ثوريا ضد ظلم ومتعاطفا، بل متحالفا مع ظلم آخر. سيكون الحزب ساذجا إذا توهم أن دعمه للنظام السوري سيطيل عمر هذا النظام، أو سيؤخر سقوطه في مواجهة الشعب السوري وثورته الممتدة في طول وعرض سوريا ومدنها ومحافظاتها، وبعد أن وصلت إلى المزة وجوبر والمهاجرين والحجر الأسود بدمشق.. ويجب أن يفهم أن النظام السوري لا تنقصه العدة العسكرية ولا البشرية ولكن تنقصه الشرعية الوطنية والأخلاقية، وعليه فلو قدم الحزب للنظام كل العشرة أو العشرين ألف مقاتل الذين لديه فلن يغير قدره وما بات يحيق به. يجب أن يفهم الحزب أن قوة منطقه في الدفاع عن سلاحه ومقاومته إنما تحصلت من أخلاقية مواجهته الاحتلال الصهيوني، وأنه سيبددها ويخسرها إذا نقلها من هذه المواجهة المقدسة إلى مواجهة نتنة عفنة ظالمة مدسسة – كما نرى - ضد شعبه وضد الشعب السوري وضد الثورات المصرية والليبية والتونسية واليمنية وضد الربيع العربي وضد نتائجه وفكرته، وكما نرى في الافتراءات على "الإخوان المسلمين" التي صار لا ينفك يرددها ويخترعها ويحرك فيها إعلامه ليل نهار.. فإن أصر إلا الاعوجاج وإلا الجري وراء الطائفية وولاءاتها وأزماتها فإن عليه أن يلاحظ فروق الوزن النسبي في الدعم والتأييد السياسي الذي أسقط حكومته "ميقاتي" وأن يقارن ما آل إليه حاله بما كان عليه عامي 2000 و2006. آخر القول: يجب أن يمر لبنان من المرحلة الحالية دون خسارات أكبر.. وليس أمام رئيس الوزراء الجديد "تمام سلام" إلا أن ينجح في مهمته، وعلى الفرقاء اللبنانيين أن ينجحوا في توفير أجواء التفاهم وأن ينعزلوا بهموم لبنان وحاجاته عن التجاذبات الداخلية والتناقضات الخارجية.