02 أكتوبر 2025
تسجيللا شك أن العمال خسروا نتيجة الأزمة ليس فقط في الأجور والمنافع وإنما في البطالة حيث فاقت بعض المؤشرات الوطنية نسبة الربع. الأوضاع تختلف بين الدول بسبب القوانين والمؤسسات والسياسات المستعملة، إلا أن العبرة واحدة وهي أن العمال خسروا أكثر بكثير من شرائح المجتمع الأخرى. هنالك تقريران شاملان دوليان صدرا في سنة 2013 بشأن موضوع العمل والبطالة وهما تقرير البنك الدولي السنوي للتنمية WDR وتقرير الأجور الصادر عن منظمة العمل الدولية. يشيران إلى خطورة البطالة وتأثيرها ليس فقط على النمو وإنما على الاستقرارين الاجتماعي والسياسي. المطلوب في كل دولة سياسة عامة للأجور للقطاعين العام والخاص تحددان الأطر المناسبة لتغير الأجور بحيث لا يظلم العامل ورب العمل. ما هي الأطر المناسبة التي تنبع مبادئها من التقريرين المذكورين؟ يجب أن تحترم أي سياسة أجور: أولا: الركائز الأساسية للاقتصاد أي تدعم الاستقرار والمناخ الاستثماري وتقع ضمن القوانين والمنطق وتحترم حقوق الانسان. إن النمو ينبع من الاستثمارات وأن المستثمرين يتجنبون الدول ذات التكلفة المرتفعة ليس فقط في الأجور وإنما في كل شيء كالمسكن والضرائب والغذاء والنقل وغيرها. ثانيا: لا يمكن فصل موضوع الأجور عن السياسات التفصيلية المرتبطة مباشرة بتطوير الإنتاجية والفعالية بحيث تتمكن المؤسسات من تحسين أوضاع العمال وتطوير إنتاجها ونوعية سلعها وخدماتها. رفع الإنتاجية يسمح بتحسين أوضاع العمال بسهولة أكبر. ثالثا: تحديد أولويات الاقتصاد من قبل الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص وممثلي العمال. لكل اقتصاد حاجاته المختلفة ومن الضروري إزالة كل العوائق بحيث تتحقق الأهداف لمصلحة كل أطراف الإنتاج. رابعا: لا يمكن تحديد سياسة أجور وحتى غيرها من السياسات من دون إحصائيات دورية شاملة وصحيحة بحيث تؤخذ القرارات بوضوح تجنبا للأخطاء المكلفة. الدول النامية والناشئة مقصرة في إعطاء الاحصائيات التي تسيس في العديد من الأحيان لمصلحة الحكام. يجب أن تكون مؤسسة الإحصاء الرسمية مستقلة بحيث تستطيع مقاومة من يحاول التأثير عليها. ما هي الأدوات الضرورية لإنجاح سياسة الأجور؟ أولا: في كل دولة هنالك حد أدنى رسمي للأجور يسمح للفرد بالعيش بكرامة. تحديده يخضع لمعايير علمية أهمها دراسة تكلفة المعيشة عبر اعتماد مؤشر واقعي للأسعار يرتكز على سلة استهلاكية معقولة للمواطن العادي. الحد الأدنى هو المعيار الأساسي لأي سياسة أجور جدية. لا يمكن أن يكون الحد الأدنى مرتفعا جدا إذ يؤثر عنده على البطالة كما لا يمكن أن يكون منخفضا لا يسمح للعامل بالعيش بكرامة. تحديد الأدنى يجب أن يتم بدقة. ثانيا: يجب أن تحمي القوانين الموظف والعامل من الظلم وسوء المعاملة كما من الصرف التعسفي. المطلوب ضمانات اجتماعية وصحية للعمال ممولة من الدولة والشركات. ما زالت الدول النامية والناشئة مقصرة وما زالت حقوق العمال المحليين أو المستوردين غير محترمة تبعا للقوانين الدولية وتوصيات مؤسسة العمل الدولية. كما على العامل أن يبذل كل جهوده لمصلحة المؤسسة التي يعمل فيها، عليها في المقابل أن تحترم حقوقه المادية والإنسانية. عقود العمل الجماعية مهمة في الدول التي لا تحدث قوانينها بحيث يحفظ العامل حقوقه من ضمنها. ثالثا: هنالك نظام دولي للعطل الرسمية والإجازات لا يمكن تخطيه. هو الحد الأدنى المقبول في المجتمعات التي تختلف حكما في عدد أعيادها الوطنية والدينية إلا أن هنالك عددا يقارب العشرة لا يمكن النزول دونه. كما أن العطل السنوية مهمة جدا لإراحة العامل وللسماح للمؤسسة بتدوير العمل بحيث ترتفع الإنتاجية. رابعا: من المهم جدا أن يكون هنالك صوت للعمال أفرادا ومجموعات. يساهم هذا الصوت في رفع انتاجية العامل ويسمح للمؤسسة بمحاورة العمال عبر ممثليهم في مجموعات أو نقابات. الحياة النقابية مهمة ولم تتحسن ظروف العمال في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها إلا بفضل النشاط النقابي وتعاون قطاع الأعمال والدولة. الوعي العام مطلوب لإعطاء كل الفرقاء حقوقهم المشروعة بل المفيدة للاقتصاد. خامسا: المطلوب قوانين عمل عصرية تسمح بتطوير الأسواق أي تحفز الشركات ضرائبيا كي تقوم بتدريب موظفيها وعمالها. تتطور العلوم سريعا بحيث يصبح التدريب أكثر فأكثر ضرورة وطنية واقتصادية في نفس الوقت. ماذا حصل في الواقع دوليا بشأن الأجور؟ أولا: في معظم الدول النامية والناشئة تدنت حصة العمل من الدخل الوطني لأن الأجور لم تلحق بالتضخم. حصل ذلك أيضا بسبب التكنولوجيا التي تتطور أحيانا فوق قدرة العامل على استيعابها، بسبب أسواق المال المعولمة التي تعزز أوضاع الأغنياء على حساب الفقراء والتي لا تمكن العامل من الاستفادة منها كما بسبب قوانين ومؤسسات عمل ضعيفة وغير فاعلة. ثانيا: كيف تغيرت الأجور بين سنتي 2000 و 2011؟ عالميا ارتفعت الأجور في هذه الفترة بنسبة 23% لكنها لم تتوزع بشكل متواز على المناطق الجغرافية. في أفريقيا، زادت الأجور 18% وفي أسيا 95%، وفي شرق أوروبا وآسيا الوسطى 171% وفي الدول الصناعية 5% وفي دول أميركا اللاتينية والكاريبية 15%. المنطقة الوحيدة في العالم التي انحدرت فيها الأجور خلال فترة الـ 11 سنة هي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث انخفضت 6% وهذا غير مقبول في كل المعايير الاقتصادية والإنسانية. ترتبط الأسباب بالإنتاجية والقوانين والمؤسسات وبعدم احترام حقوق العمال والموظفين كما تفرضه القوانين بل يفرضه المنطق والعقل. ثالثا: المزعج في ما يحصل أنه بالرغم من أن أوضاع العمال تتراجع دوليا وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يحصل الكثير من الجشع من قبل إداريي الشركات الكبرى والتي لا تبررها النتائج المالية. هنالك حملة دولية ضد هذه المنافع والتعويضات التي يحصل عليها بعض رؤساء الشركات في وقت تفلس أو تتعثر شركاتهم. رابعا: الاقتصاد العالمي يعاني اليوم من الأزمة المستمرة. هنالك سياسات تقشف متبعة في العديد من الدول المصابة، إلا أن هذا التقشف يطال أولا وفي أكثريته العمال ووظائفهم وحقوقهم وتبقى الأمور الأخرى من هدر وفساد كما هي. لا يمكن القبول بهذا الواقع الذي لا يعطي العامل حقوقه لا في فترة الازدهار ولا في فترة الصعوبات. مستوى الأجر مهم جدا لكنه لا يكفي كي يأخذ العامل كما رب العمل حقوقهما. العلاقة الجيدة مهمة وهي ليست فقط رقمية بل يجب أن تكون إنسانية معتمدة على الإخلاص والنية الحسنة من الفريقين. ما هي الحلول التي يمكن أن تطبق لتحسين أوضاع العمال؟ أولا: وضع علاقة واضحة بين الأجر والإنتاجية بحيث تشكل حافزا للتحسن المفيد للاثنين. ثانيا: رفع الأجور سنويا بنسبة معينة من غلاء المعيشة. ثالثا: تطوير ركائز أسواق العمل من إحصائيات وقوانين ومؤسسات وقضاء سريع فاعل ومتخصص. يجب أن يكون في كل دولة مؤسسة تساعد العاطل عن العمل على إيجاد فرصة له أي تصل طالبي العمل بعارضيه. يجب اعتماد الأخلاق في التصرف. رابعا: تطبيق معايير الثواب والعقاب في القطاع العام الذي يعاني عموما في انخفاض الإنتاجية. تحفيز التدريب ومعاقبة التمييز على أساس العرق والجنس وغيرهما.