18 سبتمبر 2025
تسجيلكانت العربية لغة الأدب الرفيع والبلاغة السامية أيام الجاهلية، فما أن جاء الإسلام حتى فتحت ذراعيها تستقبل القرآن وبيانه، وتستوعب العلوم الجديدة كالفلسفة والطب والقوانين واستطاعت على مر العصور أن تحفظ تراثنا العربي، وتتفاعل مع تراث الحضارات التي احتكت بها وتنقله عبر العصور ليصبح ملكا للأجيال في شتى بقاع العالم. قال صاحبي: رغم الدور الإيجابي الذي لعبته اللغة العربية في الماضي؛ إلا أننا نجدها في الوقت الحاضر تواجه أزمة تهميش. أرجو توضيح ذلك.. أفادك الله. قلت: نعم، فالعربية تواجه محنة كارثية بدليل أن رئيس جمعية لسان العرب لرعاية اللغة العربية – أثناء المؤتمر السنوي للجمعية بالقاهرة في نوفمبر الماضي – أعرب عن أسفه الشديد وتشاؤمه مما آل إليه حال اللغة العربية، وشدد على المؤامرات التي تحاك ضدها منذ قرنين من الزمان، وبعض أهلها بسطوا أيديهم لكل من يعبث باللغة، وتدهور التعليم من تعليم عربي أصيل، يثبت الهوية والانتماء، إلى تعليم أجنبي يعمل بشدة لتهميش اللغة العربية، وغابت الكتاتيب التي كانت تصحح اللحن في القراءة، وتنمي لغة الطفل في إطار نظرية السمع أولا وحتى من دون فهمه للقرآن في هذه السن. ووصف رئيس الجمعية "سامي نجيب" من يقف أمام العربية ولا يساعد على النهوض بها فكريا وثقافيا بالخائن للهوية العربية، والمذوب لشخصيتها، وحذر من اليأس والقنوط الذي ألمّ بالكثير منا، من كثرة المؤتمرات في المحافل دون جدوى ملموسة، وأشاد بتوصية مؤتمر الدوحة بضرورة النهوض بالعربية علميا وعمليا، وقد صدرت قرارات سياسية بهذا الشأن في ثلاثة مؤتمرات قمة ولم تفعَّل حتى اليوم حتى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى دعا بنفسه في مؤتمر لجمعية لسان العرب بدعمها في جميع المجالات، ولم يحدث شئ حتى الآن، كما خاطبت الجمعية منظمة "الإيسسكو" بالمغرب منذ عام تقريبا لكي تعمل الجمعية تحت لوائها ومازالت تنتظر الرد. وطالب رئيس الجمعية باستقلالية مجمع اللغة العربية المصري، كما طالب بتفعيل قرار 112 لرئيس الجمهورية الذي كلف فيه الوزارة بالعمل على النهوض باللغة العربية في كافة المناحي، وقال بالحرف الواحد: "في قلبي غصة.. فبعد أن أمضت الجمعية 18 عاما، لا تزال مكتوفة الأيدي لا نشاط لها إلا هذا المؤتمر السنوي ومسابقات حفظ القرآن الكريم، والاحتفال بيوم اللغة الأم، فنحن أمام محنة كارثية تعيشها اللغة العربية صنعناها بأنفسنا وبأيدينا، حتى صارت لغتنا منبوذة حتى من أبنائها، والعربية هي من الدين ولكن ألغاها الإعلام والمجتمع المدني". إن اللغة كائن حي ومتحرك غير ثابت، وبالتالي فهي قابلة للحياة وقابلة للموت، تحيا بالرعاية والتطوير والممارسة، وتموت بالإهمال والتجاهل والتقليل من شأنها، ولقد أكدت منظمة اليونسكو في واحد من تقاريرها: "إن عددا من لغات العالم مهددة بالانقراض واللغة العربية واحدة من تلك اللغات"، والانقراض هنا لا يعني الموت، إنما يعني أن تستسلم اللغة العربية الأم إلى اللهجات الدارجة، وتتحول مع الزمن إلى حالة إحلال، إن لم يكن جلها ولكن جزء كبير منها.