19 سبتمبر 2025

تسجيل

الدور السياسي للإعلام الشمولي.. سوريا نموذجاً

11 أبريل 2011

لقد بات من الحقائق التي لا يختلف فيها اثنان أن الإعلام يحتل المراكز الأولى في مجريات الحياة وجوانبها المتعددة لما له من أدوار بارزة في التأثير لبناء النهضة العامة لكل أمة من جهة، ولكونه أداة حل ناجع لكثير من مشكلاتها ولذلك ذهب كثير من فقهاء الإسلام اليوم إلى أن التخصص في ميدان الإعلام يعتبر فرض عين لكونه شكلا واضحا من أشكال الدعوة الإسلامية للتواصل والحوار مع المسلمين أنفسهم ومع غيرهم من المخالفين، لتكون صور الحياة معبرة عن واقعها بحيث لا تضطرب الرؤية ولا تلتبس المفاهيم وتؤد الشبه والشائعات في مهدها كيلا تشكل سلاحا فتاكا في الأمة جسما وروحا بل إن الإعلام الحقيقي هو الذي يربط أي حدث بخلفيته التاريخية ويعتمد على السنن الكونية في الحضارات ويستشرف مستقبل الأمة، وبمثل هذا يكون بناؤه عتيدا مكينا لا سبخة هشة لا تثبت على قرار وتأسيسا على ذلك اعتبر المستشار عبدالله العقيل في كتابه الإعلام وهوية الأمة "ص 17" أن الإعلام الحق له دور أهم من دور الصاروخ اليوم مركزا على مسؤولية الصحفيين كما في "ص 52" في البحث عن الحقيقة في تعاطي الأخبار وتغطيتها وذلك بتحري الدقة وتحمل المسؤولية بالصدق والأمانة وألا يخضع الإعلاميون إلى أي ضغط وابتزاز من الحكومات أو الشركات المتخصصة في هذا المجال ولعل كثيرا من هذه الأدبيات قد أشير إليها في المؤتمر العاشر للصحفيين العرب المنعقد في القاهرة عام 2004 التي جرى التأكيد عليها التزاما بميثاق الشرف الصحفي، وبناء على هذا التمهيد نقول: كم يكون الإنسان في أي مجتمع ووطن مطمئنا إذا كان الإعلام يسير بخطى ثابتة على هذا النهج حيث يشعر بالانطلاق والحرية ولا يبقى حبيس الإعلام الشمولي المنغلق على ذاته وغيره فيشعر المتلقي بالكبت بل بتسلط أسنة وسهام الإعلام المحتكر نحوه فلا مكان إلا للقلق والكآبة والحيرة خاصة إذا كان الموضوع سياسيا يتعلق بأهم مهمات الأمة بين النهوض والسقوط والمناداة بالإصلاح أو الجهر بالفساد والإفساد، وهذا ما حدا بالكثيرين أن يتساءلوا في بلدنا الغالي سوريا هذه الأيام بالذات حيث تتواصل الاحتجاجات السلمية في المحافظات والأرياف مطالبة بالإصلاح والتغيير وقطع دابر الفساد وتتناقض الروايات في وصف الأحداث وتغطيتها خاصة أن المئات من الشهداء قد سقطوا وأمثالهم من الجرحى خاصة في مدينة درعا وضواحيها، فما دور الإعلام الصادق هاهنا وما المطلوب من الحكومة والشعب؟ إنه سؤال جد مهم يلهج به كل سوري وطني في داخل البلاد وخارجها، وإذا كنا منصفين حقا فلابد أن نبين أن الأنظمة الشمولية ذات الحزب الواحد القائد لا تستطيع غالبا إلا أن يكون إعلامها موجها لصالح سياستها ورؤيتها دون الاهتمام بالرأي الآخر وإعطائه مساحة كافية ليعبر عن وجهة نظره سواء في الحوار مع الذات أو مع الآخر بعد ذلك وإن ما جرى منذ 15 مارس ويجري من أحداث دامية تحترق لها القلوب الوطنية بدل أن تضحك وتهدد وترغي وتزيد ليحتم علينا أن نقول: إن المطالبة بانفتاح الإعلام وأخذه الحرية سياسيا لهو المطلب الذي يجب ألا نحيد عنه كيلا ينتشر التضليل والتعتيم على حساب الحقيقة ودماء الشهداء والجرحى والمعتقلين، ومن هنا فإننا نتساءل لماذا لا تركز وكالة سانا في سوريا إلا على الأخبار التي تتموضع لصالح النظام؟ بل إذا نقلت أي خبر من الوكالات فإنها تعمل على الصياغة التي لا تروق إلا لمزاجها في معظم الأحوال خاصة في مرحلة الأحداث هذه مع أنه من حيث فطرة الإنسان إن كان سويا مستقيما فإن التعاطف غالبا ما يكون فيما يذاع لصالح الشعب لا لجانب السلطة بوجه عام لأنه كما يقول مصطفى صادق الرافعي: الشعب بمجموعة أقوى من الحكومة والحق أقوى من القوة، وهذا ما أحسنا به في ثورتي تونس ومصر بل واليمن وليبيا اليوم إن الصدق أولى بالإتباع، فإن تذكر الأخبار أن المظاهرات لم تكن موجودة ثم يقال إنما هي بالعشرات ثم يتبين أمام العالم أنها بدأت بالمئات وأصبحت بآلاف الآلاف خاصة في درعا ودوما وبانياس.. إن هذا لعب وكذب على الحقيقة التي تأبى إلا أن تطل بوجهها كالشمس الساطعة وهو ما اضطرت الحكومة إلى الاعتراف بوقوعه وحجمه مؤخرا، لماذا؟ أليس لأن الإعلام المغلق هو سبب هذه الادعاءات والافتراءات، وإذا كان هذا ضربا من الحرب النفسية فإن معظم الشعب السوري واع لا تنطلي عليه مثل هذه الأساليب القديمة، فإذا ما انتقلنا إلى التلفزيون السوري فإننا نجد أنه قد فقد كثيرا من المصداقية في تناوله للأحداث واختراع روايات أو ترويج مسرحي عفا عليه الزمان ففي حين كنا ومازلنا نرى بأم أعيننا والعالم يشهد أن المظاهرات سلمية لم يطلق من المتظاهرين فيها رصاصة واحدة حقا يأتي النظام ليذيع عبر شاشته أنها تظاهرات مسلحة وأن ثمة عصابة مسلحة مندسة هي التي تقتل المتظاهرين الذين هم بدورهم يقتلون ويجرحون عناصر الأمن ونحن إلى الآن لم ندر من هؤلاء؟ وما أسماؤهم؟ وإذا كان بعض ذلك صحيحا فمن المسؤول عن الفلتان الأمني؟ وأين الدولة التي لا تكاد تستطيع ذبابة أن تطير إلا وتعرفها إذن فقط عند هذه العصابة المسلحة المدعاة بفروعها في درعا واللاذقية وحمص خاصة كيف لا تنكشف ثم السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تتحين هذه العصابة يوم الجمعة فقط لتكون من أركان التدخل السريع في الأحداث؟ لماذا لا تظهر في أي يوم آخر؟ ولماذا لم تظهر أبدا لدى خروج المظاهرات المليونية المؤيدة للنظام؟ ولماذا سمح للمراسلين من سائر القنوات العربية والأجنبية بتغطية هذه المظاهرات ونشرها من سوريا وخارجها دون قيد في حين لا يسمح لهؤلاء من أي القنوات أن يدخلوا ساحة الحدث ويصوروا ويعطونا الخبر المحايد؟ إذا كانت السلطة شجاعة فلتسمح لهم بالتصوير والتغطية وألا تكتفي برواتها التي غدت ممجوجة ومكررة واكتشف افترائها حتى الصبي الصغير فضلا عن أهل الرأي والعقل والفهم، ومازال المتظاهرون يرسلون عبر هواتفهم النقالة الصور الحقيقية للأحداث وهي وإن لم تكن واضحة لكنها منظورة وتبرز الحقيقة لكل الناس وإننا لنعجب ممن يصدقون رواية النظام سواء من العوام أو الإمعان أو أرباب المصالح المنتفعين منه في شتى المصالح، كيف يكون للإنسان عقل واع وحس وطني ودين وخلق وحرقة على البلاد ثم يصدق مثل هذه الاسطوانات المعروضة المغرضة التي تتم فبركتها أو أحداثها من جهات أخرى وليس عليها شهداء محايدون لنعرف الحقيقة (فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون)، "النور: 13"، والكاذب كالسراب يقرب إليك البعيد ويبعد عنك القريب كما قال علي رضي الله عنه وإن حبل الكذب قصير كما يقول المثل العربي ونتمنى ألا نصل مع الإعلام السوري خاصة التلفزيون إلى حد أن نخاطبه بما قاله الأخطل الصغير: إذا عرف الكذاب بالكذب لم يزل لدى الناس كذابا وإن كان صادقا نقول هذا ولا نبخس أحدا شيئا إذ بعد ضغط الشارع ذكرت صحيفة الوطن شبه الرسمية التي تقول منظمة مراسلون بلا حدود إنها مملوكة لرجل الأعمال ابن خال الرئيس بشار رامي مخلوف مؤخرا أن سوريا بحاجة إلى عقد اجتماعي للإصلاح بوقفة عمل بلا انفعالات موضحة أن المتظاهرين خرجوا للشارع يقولون كلمتهم وأن الناس تعاطفوا معهم لأسباب منها أنهم قدموا الأرواح والدماء وكذلك فإن مطالبهم مشروعة وهو ما كانت اعترفت به بثينة شعبان قبل أسبوعين وكذلك اليوم وزير الخارجية وليد المعلم إذن فأين الادعاءات الأخرى في الصحف والتلفزيون، إن الانتفاضة فتنة معد لها وأنها مرتبطة بمؤامرات خارجية وبمشايخ يثيرون الفتنة إن الأفضل لكم أن تصلحوا وتبعدوا مشايخ النفاق فإنهم يورطونكم بلا ريب وإذا بقي الأمر كذلك فإن هذا لا يبشر بخير من فرط تناقضاتكم ورهاناتكم على الأمن والقوة وقتل الناس وجرحهم واعتقالهم بغير وجه حق، إن هذا لم يغضبنا نحن السوريين الأحرار فقط بل أصبح يغضب العالم عليكم وعلى هذا الإعلام المتحيز والحائز على الدكتوراه في قلب الحقائق والأحداث وهو الآن بعد أربعين سنة لا يذيقنا إلا الخطر حيث التصعيد الرهيب لانتهاك الحريات مع ممارسة أبشع سياستي التعتيم والتضليل وتلك مشكلة من أهم التحديات أمام الجماهير لاسيما أن سوريا قد أتت في المرتبة 153 بين الدول وفقا للمؤشر السنوي العالمي لحرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود حيث سيطرة الدولة على الإعلام وفي ظل قانون الطوارئ الذي يخيف المعارضين من الإعلاميين ويطول الإعلام الإلكتروني أيضاً ويعمد إلى عمليات القرصنة ضده ويعاقب ويجرم، وليس هذا المجال لذكر عشرات الأسماء التي سجنت في سوريا من السوريين أو غيرهم بسبب الرأي الحر أو غرمت غرامات مالية أو فصلت من العمل كمثل الذي حصل قبل يومين لرئيسة تحرير جريدة تشرين سميرة مسالمة لدى مداخلة لها في قناة الجزيرة عن شهداء درعا ورجال أمن قتلوا كما تقول الحكومة ويبدو أن بعض الكلام لم يرق لهم والشواهد أكثر من أن تحصى ولدى مراجعة موقع الجزيرة نت تجد العجب العجاب ولكن المصل الواقي من الدجل مازال عندنا قويا. [email protected]