16 أكتوبر 2025

تسجيل

لا يفوتك شهر رجب الحرام

11 مارس 2019

إن المؤمن الكيس يستغل مواسم الخير والطاعة لترويض نفسه على العبادة، ويتشوق لها ويتنفس في إتيانها، ولا يفتر عنها لما فيها من جزيل الأجر والثواب، الذي منحه رب العزة إياه، بل تجده يستحضر نيته الخالصة في جل الأعمال، ولو كانت عند كثير من الناس عادة ولا يلقي لها بالا. ومن تلكم المواسم الأشهر الحرم التي فضلها ربنا سبحانه وتعالى في محكم التنزيل ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]. وثبت في الصّحيحين عن سيّد المرسلين ﷺ أنّه قال: السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا؛ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاَثَة مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. ويمتاز شهر رجب عن باقي الأشهر الحرم بانفراده عنهم، لأن في تفرده خصيصة تزيده احتراما وتعظيما كما يحكى عن أهل مضر أنهم كانوا يعطونه زيادة التوقير والإجلال، ويتذكرون به شهر رمضان، وكذا الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يدعون الله عز وجل أن يبلغهم رمضان قبله بستة أشهر. ويودعونه ستة أشهر وجاء شهر رجب يتوسطهم ويسبق الأشهر الحرم، ونحن أمة وسط، لهذا كانت له هذه الأهمية والسبق ومجيئه فاصلا بينهم. وكان من فقه السلف الصالح اغتنام هذا الشهر والحث عليه، لغفلة الناس عنه، وعدم انتباههم له، وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل شهر رجب والحث على العمل الصالح فيه، والابتعاد عن ظلم الإنسان نفسه بالذنوب والمعاصي، ولغيره من الناس. ومن ثم وجب على كل مسلم أن يعرف قدر هذا الشهر المبارك، واستغلاله في مضاعفة الحسنات ورفعة الدرجات، فالعمل الصالح يجعل من المحسن متقنا، ومن المفرط مستعدا، ومن الغافل يقظا، فالغنيمة الكبرى الظفر بالأجور في زمن غلبت فيه الشهوات والملهيات. فالحكمة التي شرف بها هذا الشهر الفضيل هو تزكية النفوس وتربيتها، وتغذية القلوب وصفاؤها، فالعبد محتاج لمولاه، فطاعته لازمة لحياة قلبه لزوم الطعام والشراب لحياة الجسد، فإذا طابت نفسه إلى مناجاة سيدها ومحبوبها في وقت تتضاعف فيه الأجور وتنشرح الصدور ويفرح المرء بلقاء ربه جل في علاه، فما أعظم المسير! طريقه كله تجارة لن تبور، وعنوانه «يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أدبر»، إن الحياة فرص فمن بادر فيها سلك، ومن تأخر عن الركب سقط، هذا هو شهر الهمم العالية والقلوب الحية، المقبلة على ربها سبحانه وتعالى.