19 سبتمبر 2025

تسجيل

الخرطوم..سباق النوايا الحسنة

11 مارس 2017

أفرزت رمال السياسة السودانية المتحركة بسرعة خلال الأسابيع الماضية، ما يمكن وصفه بسباق النوايا الحسنة بين المعارضة المسلحة والحكومة في الخرطوم..في عملية هي الأكبر من نوعها في تاريخ الصراع المسلح بين الخرطوم ومعارضيها في الجبهة الثورية التي تضم الحركة الشعبية قطاع الشمال المدعومة من حكومة دولة جنوب السودان بجانب عدد من حركات دارفور المسلحة، تم إطلاق سراح 125 أسيرا لدى الجبهة عبر دعم لوجستي أوغندي وبعد أقل من أسبوع أصدر الرئيس عمر البشير عفوا عن 259 سجينا محكوما على 66 منهم بالإعدام ويتبعون بشكل رئيسي لحركة العدل والمساواة أثر القبض عليهم بعد محاولة الحركة اقتحام مدينة أمدرمان في 2008 بدعم من ليبيا في عهد الراحل معمر القذافي. سباق النوايا الحسنة سبقته متغيرات داخلية وخارجية عديدة صبت جُلها في صالح الحكومة السودانية بينما لم تأت رياحها في ذات الوقت بما تشتهي سفن المعارضة المسلحة.. فالخرطوم غادرت علاقاتها مع واشنطن مربع الجمود بعد أن رفعت العقوبات الأمريكية عن السودان بشكل جزئي يناير الماضي وفي هذه الأثناء نالت الحركة الشعبية تعنيفا شديد اللهجة من مسؤولين أمريكيين لأول مرة بسبب موقفها المتعنت من قضية فتح ممرات لتوصيل الإغاثة للمتأثرين بالحرب في مناطق النزاع، فضلا عن الأوضاع المتردية في دولة الجنوب الداعم الرئيسي للحركة الشعبية قطاع الشمال. ولم تكن حركات دارفور أفضل حالا بعد الانشقاقات المتعددة في أوساطها ورحيل القذافي الذي كان يدعمها بالمال والسلاح، فتراجعت قوتها العسكرية كثيرا وخسرت العديد من المعارك مع قوات الحكومة السودانية.المعارضة المسلحة كانت في حاجة ماسة لتحسين صورتها الذهنية لدى العالم الخارجي باعتبارها رافضة لدعوات السلام التي أطلقتها الخرطوم. ورغم أن الخرطوم أصبحت في وضع سياسي مريح إلا أنها أرادت كسب المزيد من النقاط لتبدو أكثر كرما ورحابة صدر من الحركات المسلحة فأقدمت على إطلاق سراح هذا الكم الكبير من سجناء المعارضة دفعة واحدة في عملية هي الأكبر من نوعها خلال فترة حكم الرئيس البشير الممتدة لأكثر من 27 عاما. السؤال هل يمكن اعتبار هذه التطورات الكبيرة في السودان بمثابة إعلان عن طي صفحة دموية من الاحتراب والشقاق وفتح صفحة جديدة تفضي إلى إنهاء الحرب وإحلال السلام وتحقيق الوفاق الوطني المفقود منذ سنين عددًا؟. ليس أمام الحركات المسلحة خيارات منظورة إن لم تكن معدومة أصلا إلا أن تغير من طرحها القائم على تحقيق أهدافها السياسية عبر البندقية.. الحكومة في الخرطوم أمامها فرصة ذهبية لإحداث اختراق سياسي غير مسبوق وتدشين عملية سياسية واسعة النطاق. ويتجسد التحدي أمام الحكومة في التعاطي مع القضايا الاقتصادية فالحالة الاقتصادية المتردية يمكن أن تكون سببا في مصير مظلم للبلاد. وعلى العقل السياسي الحاكم أن يفسح الباب أمام التغيير والإصلاح، لأن سد المنافذ أمام التغيير السلمي قد يدفع الآخر للوقوع في شرك خيارات مدمرة. ولا سبيل لحل الأزمة الاقتصادية من دون حل الإشكالات السياسية، والتي من بينها عدم الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وطغيان السلطة التنفيذية على باقي السلطتين القضائية والتشريعية وهو ما أدى إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة. ومن بعد المعالجات السياسية الضرورية فإن حل الإشكالات الاقتصادية يكمن في التركيز على زيادة الإنتاج والإنتاجية وترشيد الإنفاق الحكومي، ومحاربة الفساد وإعادة هيكلة الجهاز المصرفي ووقف تعدد الرسوم والضرائب الأمر الذي أدى إلى فقدان ثقة المستثمر الأجنبي في الاقتصاد السوداني. إنه من المعيب حقا أن دولة مثل السودان لم تستطع في ظل العبث السياسي استثمار مواردها الطبيعية وتسخير قدراتها وثرواتها للنهضة والتقدم.