18 سبتمبر 2025
تسجيلفيما يتعلق بالأخلاق والحفاظ على البيئة، فقد عرض ابن طفيل في قصته المشهورة (حي بن يقظان) رؤية فلسفية أخلاقية حول علاقة الإنسان ببيئته وأهمية الحفاظ على الحياة البرية، فيرى أن الأخلاق الحميدة هي التي لا تعترض الطبيعة في سيرها والتي تحول دون تحقيق الغاية الخاصة بالموجودات، فالفاكهة مثلا تخرج من زهرتها ثم تنمو وتنضج ثم تسقط نواها على الأرض ليخرج من كل نواة شجرة جديدة، فإذا قطف الإنسان هذه الثمرة قبل إتمام نضجها، فإن عمله هذا يعد بعيداً عن الأخلاق، لأنه يمنع النواة التي لم يتم نموها ونضجها، قبل أن تحقق غايتها في هذا الوجود وذلك بإخراج شجرة من نسلها. وذهب ابن طفيل إلى أبعد من هذا فقال: "إن الأخلاق الكريمة تحتم على الإنسان إزالة العوائق التي تعترض النبات والحيوان في سبيل تطوره وتحقيق غايته من الوجود، فإذا وقع نظره على نبات حجبه عن الشمس حاجب أو تعلق به نبات آخر يؤذيه وجب على الإنسان إزالة هذا الحاجب". اعتمد الفقه الإسلامي في هذا الميدان على قاعدتين أساسيتين: القاعدة الأولى: "لا ضرر ولا ضرار". القاعدة الثانية: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". وانطلاقاً من هاتين القاعدتين، كان من سلطات المحتسب منع كل ما يؤدي إلى تلوث البيئة، فقد كان يمنع طرح النفايات في الأسواق والطرقات، كما يمنع الخضرايين والفاكهيين وغيرهم من طرح ازبالهم في الطرق، كما كان يتخذ مكانا لبائعي الأسماك بمعزل عن السوق حرصا على عدم تلويث السوق. ومن العوامل التي تؤخذ في الاعتبار عند تأسيس المنشآت التجارية والصناعية في المدن الإسلامية القديمة، حيث كانت هناك ترتيبات معينة تخص المنشآت التي تتسبب في حدوث الدخان أو الروائح الكريهة أو الصوت المزعج، لذلك كان يراعى عند إنشاء هذه المؤسسات أن توضع في أماكن يمكن معها تجنب ما قد ينشأ عنها من أضرار. وإذا حدث – مع تزايد نمو المدينة وزيادة رقعتها – أن تأثرت المناطق الجديدة بهذه النوعية من المنشآت فإن المحتسب يتدخل في التحكم في ثبات مصدر الضرر لمنع زيادته بالتوسع والإضافة. وقد أبرز ابن عقيل هذه الحقائق في وصفه لبغداد حيث يقول: "وكانت أسواق الكرخ وباب الطاق لا يختلط فيها العطارون بأرباب الزهائم (الرائحة الخبيثة)....". وقد أصدر الفقهاء والقضاة أحكاماً ضد المنشآت الملوثة للبيئة خلال القرن السابع عشر الميلادي ومن ذلك التاريخ نقل المدابغ من الأماكن السكنية حفاظاً على البيئة من التلوث، فقد جاء في نوازل النشريستي: "سئل ابن زيتون عن مسجد قديم خرب من الدور فجعل دورا للدبغ ثم بعد زمان قام محتسب وقطع تلك ونقلت خارج البلد، ثم أراد الآن بعض أهل تلك الدور أن تعود دورا للدبغ، فمنعهم أهل المسجد وقالوا تدركنا الأنتان والقاذورات...".