17 سبتمبر 2025

تسجيل

احتمالات الحرب الشاملة بين جوبا والخرطوم

11 فبراير 2012

آخر أوراق الضغط التي تلوح بها جوبا في وجه الخرطوم كانت قضية إيقاف ضخ النفط عبر أراضي السودان.. الويل والثبور وعظائم الأمور بإيقاف التصدير لم تجد فتيلا مع الخرطوم التي تعتقد أنها استنفدت مع جوبا كل مساحات المرونة وقبلت مقترح الوسطاء.. لم يبق أمام جوبا إلا التلويح بالحرب حيث أمر سلفاكير ميارديت رئيس دولة الجنوب قواته بالانتشار على طول الحدود الممتدة على طول حوالي (2 ألف كيلو متر).. تاريخيا هناك فكرتان متضادتان لدى كل من جوبا والخرطوم؛ فالخرطوم ظلت تعتقد أنها تصرف على الجنوب بلا مقابل بل إن التمرد على مر السنوات ظل يهدم ما يقام في الجنوب من مشروعات تنموية منها على سبيل المثال مشروع جونقلي، صحيح أن الجنوب غني بموارده الطبيعية لكن هذه الموارد لم تدخل فلسا واحد في الخزينة المركزية، وأكثر ما (يغيظ) الخرطوم أنه عندما تكبدت المشاق وخاضت الصعاب واستخرجت البترول الذي ترقد معظم حقوله في أرض الجنوب، انفصل الجنوب بعد سنوات قليلة و(أهدت) الخرطوم للجنوبيين دولة بموارد بترولية ضخمة وخط أنابيب هو الأطول في إفريقيا والشرق الأوسط (1600 كيلو متر).. الفكرة التي تتأبط جوبا أن الشمال ظل يستنزف موارده ويستأثر بها وحتى بعد الانفصال تريد الخرطوم أن تتقاسم معهم ثروتهم من خلال فرض رسوم (مرتفعة) نظير عبور نفطهم لأراضي الشمال في طريقه للتصدير. منذ انفصال الجنوب في التاسع من يوليو 2011م وحتى ما قبل ذلك التاريخ كانت كثير من النخب في الشمال تحذر أن الخرطوم عليها أن تتعامل مع قادة في الجنوب يعانون أعراض (المراهقة السياسية)، لكن فيما بعد ومع تعقد المشاكل بين الدولتين ذهبت تلك النخب إلى القول إن الأمر أكثر من مراهقة سياسية، فعلى الخرطوم أن تتعامل مع طفل أرعن، أم اليوم فهم يرون أن الخرطوم عليها أن تتعامل مع رجل مجنون ومختل العقل تماما.. وقف ضخ النفط على ذلك النحو رغم أنه يمثل (98%) من إيرادات جوبا كان عملا (مجنونا) مهما كانت الدواعي حتى لو كانت مرارات تاريخية وشعور بالدونية والظلم، فضلا عن أي محاولة أخرى لاستئناف الضخ يتطلب عمليات فنية معقدة لإعادة تشغيل خط الأنابيب تستغرق (6) أشهر على الأقل. الحديث عن الحرب ليس فيه جديدا لأن الحرب عمليا مشتعلة عبر الوكالة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المحاذيتين لدولة الجنوب، لكن في اعتقادي أن حربا شاملا بالفهم التقليدي أمر غير وارد.. جوبا والخرطوم جربتا الحرب خلال سنين عددا وذاقتا مرارتها، بل ليس هناك إمكانات لدى الطرفين لاستخدامها في تلك الحرب.. الظروف السياسية الداخلية لكلا الطرفين غير مواتية تماما، لكن البعض يرى أن عمليات التسخين التي يقوم بها كل طرف تعمل على توحيد الجبهات الداخلية وتمكن كلا الطرفين من تجاوز مشاكلهما الاقتصادية باعتبار أن الأولية لمواجهة التهديد الخارجي. المحصلة سيعاني البلدان مزيدا من الضعف ربما كانت جوبا الأكثر معاناة لكونها دولة وليدة تفتقر للكثير من المقومات والبنيات التحتية فضلا عن أنها دولة مغلقة ليس لديها منفذ بحري.. ربما ترتفع الأصوات أخرى في دولة الجنوب ترى في معالجات سلفاكير لملف العلاقات مع الخرطوم تجاوز لمنطق المصالح وغلو في عداء غير المبرر لكل ما هو شمالي.. سيجد سلفاكير نفسه في ورطة كبيرة أو على الأصح في مصيدة أعدها بخبث شديد أفراد مجموعة (أولاد قرنق) بقيادة الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم.. هذه المصيدة تهدف للإطاحة بالرجل وخلق صورة ذهنية عنه باعتباره رجلا لا يجيد فن السياسة فقد كان في أغلب الأوقات في أدغال غابات الجنوب لا يتعاطى السياسة إطلاقا ويجزمون أن ذلك لم يترك له أي فرصة لاكتساب الخبرة السياسية الضرورية.. فسلفاكير في نظرهم جاء قائدا (طارئا) وجد نفسه في صدارة الأحداث دون سابق إنذار بسبب الغياب المفاجئ لقائد الحركة الشعبية السابق العقيد جون قرنق.. سلفاكير يعينهم على نفسه أيضا فهو رجل يحب الميل إلى العزلة والغموض، ولا يمكن لأي شخص مهما أوتي من فراسة أن يخرج بأي انطباع في حالة تعمّد قراءة تقاسيم وجهه الجامدة والصارمة فهو بخيل بإبداء أي مشاعر لمحدثه فلا يمكن أن تعرف ما إذا كان سعيدا أو غاضبا، يوافقك القول أو يعارضك.. تحركات أولاد قرنق دائما مضادة لمزاج سلفاكير وينصبون أنفسهم أوصياء عليه، لأن قرنق كان في نظرهم منفتحا على عالم السياسة وله قدرة ما على المناورة، بينما سلفاكير لم تترك له الغابة وأدغالها أي فرصة ليكتسب أي خبرة سياسية.. فهل وقع سلفاكير في المصيدة؟