18 سبتمبر 2025
تسجيلالمفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي، كتب في مسألة تلاعب الحكومات والأنظمة بالشعوب، وسماها "استراتيجيات التحكم والتوجيه العشر"، والتي تعتمدها دوائر النفوذ في العالم للتلاعب بالشعوب وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم في مختلف بلدان العالم. من المحتمل أن تشومسكي استند في هذا الأمر إلى وثيقة سرية للغاية يعود تاريخها إلى 1979حيث عُثر عليها سنة 1986 بشكل غير مقصود، بعنوان " الأسلحة الصامتة لخوض حرب هادئة"، وهي عبارة عن كتيب أو دليل للتحكم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة على المقدرات، ويرجح المختصون أنها تعود إلى بعض دوائر النفوذ العالمي التي عادة ما تجمع كبار الساسة والرأسماليين والخبراء في مختلف المجالات، لوضع تصوراتهم ورؤاهم في تنفيذ مخططاتهم المتنوعة.. أقدم لكم هنا مختصراً لما أطلق عليه تشومسكي "استراتيجيات التحكم والتوجيه" التي تقوم بها عادة الدول أو وسائل الإعلام لتوجيه الشعوب والتحكم في الرأي العام. وهي عشر استراتيجيات على النحو الآتي: استراتيجية الإلهاء هذه الاستراتيجية عنصر أساسي في التحكم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل المهمة والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية، ويتم ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. استراتيجية الإلهاء ضرورية أيضا لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الضرورية في ميادين مثل العلوم، الاقتصاد، علم النفس، بيولوجيا الأعصاب وعلم الحواسيب. "حافظ على تشتت اهتمامات العامة، بعيداً عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقية. اجعل الشعب منشغلا، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقية الحيوانات." (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)! ابتكر المشاكل ثم قدم الحلول هذه الطريقة تسمى أيضا " المشكل — ردة الفعل — الحل". في الأول نبتكر مشكلا أو موقفا متوقـعا لنثير ردة فعل معينة من قبل الشعب، حتى يطالب هذا الأخير بالإجراءات التي نريده أن يقبل بها. خذ مثالاً في الجانب الأمني بأن يتم ترك العنف يتنامى، أو تنظيم تفجيرات دامية وغيرها من أفعال مهددة للأمن، لكي يطالب الشعب بقوانين أمنية على حساب حريته. أو ابتكار أزمة مالية كمثال في الجانب الاقتصادي، حتى يتم تقبل التراجع على مستوى الحقوق الاجتماعية وتردي الخدمات العمومية كشر لا بد منه. مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال في هذه الاستراتيجية، تستعمل غالبية الإعلانات الموجهة لعامة الشعب خطاباً وحججاً وشخصيات ونبرة ذات طابع طفولي، تقترب كثيراً من مستوى التخلف الذهني، وكأن المشاهد طفلا صغيرا أو معوقا ذهنيا. وكلما حاولنا مغالطة المشاهد، كلما زاد اعتمادنا على تلك النبرة. لماذا؟ " إذا خاطبنا شخصاً كما لو كان طفلاً في سن الثانية عشرة، فستكون لدى هذا الشخص إجابة أو ردة فعل مجردة من الحس النقدي بنفس الدرجة التي ستكون عليها ردة فعل أو إجابة الطفل ذي الاثني عشر عاما." (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة) استحسان الرداءة استراتيجية أخرى تدور حول تشجيع الشعب على الرداءة واستحسانها، وخلاصة الاستراتيجية تكمن في تشجيع الشعب ليجد نفسه بعد حين من الدهر لا يطول، أنه من "الرائع أن يكون غبياً، همجياً وجاهلاً". تعويض التمرد بالإحساس بالذنب استراتيجية جعل الفرد يظن أنه المسؤول الوحيد عن تعاسته، وأن السبب هو نقص في ذكائه وقدراته أو مجهوداته! وهكذا، عوضاً عن أن يثور على النظام الاقتصادي مثلاً، تجده يقوم بامتهان نفسه ويحس بالذنب، وهو ما يولد دولة "اكتئابية" يكون أحد آثارها الانغلاق وتعطيل التحرك.. ودون تحرك لا وجود لثورة! استراتيجية أخرى تتبعها الأنظمة، كما يقول تشومسكي، هي معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم. ففي خلال الخمسين سنة الفائتة، حفرت التطورات العلمية المذهلة هوة لا تزال تتسع بين المعارف العامة وتلك التي تحتكرها وتستعملها النخب الحاكمة. إذ بفضل علوم الأحياء، بيولوجيا الأعصاب وعلم النفس التطبيقي، توصل "النظام" إلى معرفة متقدمة للكائن البشري على الصعيدين الفيزيائي والنفسي، فأصبح هذا " النظام " قادراً على معرفة الفرد المتوسط، أكثر مما يعرف ذاك الفرد عن نفسه! وهذا يعني أن النظام — في أغلب الحالات — يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم.. تلك كانت بعض الاستراتيجيات التي تحدث عنها تشومسكي، والمتبعة من قبل كثير من الأنظمة والحكومات، لأجل السيطرة على شعوبهم بالدرجة الأولى. إذ تسهل بقية الإجراءات والمخططات، حينما تكتمل عملية السيطرة على العقول قبل الأبدان، وهذا هو الحاصل في كثير من بقاع الأرض لا تخفى على أولي الألباب..