11 سبتمبر 2025

تسجيل

نبين زين.. ونوشوش الودع!

11 يناير 2016

تجلس في اعتداد، تتلقى الاتصال، تكتب المعلومات، تضرب، وتقسم، وتطرح ثم تقول للمتصلة بعد كلام عن طالعها ونجمها، زواجك آخر العام، مع إطناب في محاسن المتقدم للزواج، لم يبق إلا أن تقول اسم العريس، لكنها تقدم التهاني، والشربات، وتترك اسم المحروس مفاجأة للعروس "إن جاء" أقول تتحدث بجرأة في غيبيات لا يعلمها إلا الله، فالعاقر 18 سنة ستنجب هذا العام توأمين، والعاطل من سنين سينال وظيفة مرموقة، والمأزوم بالديون ستنزل عليه ثروة تعلو على ثروة صاحب المليون! لك، وعك، وكذب، وادعاء، والغلابة يصدقون، ويفرحون، وينتظرون ما لا يأتي من وعود براقة ضحكت بها مقدمة البرنامج عليهم بشقة تحسد عليها، وبعدين؟ ولا قبلين، هذا هو الإعلام الذي لا يستحي، ولا يأبه بما يقول، ويبدو أن الكثير من شبابيك الإعلام العربي المتربحة من سذاجة الناس تأخذ فعلا دور الوسواس الخناس الذي يخرب عقول الناس. الإعلام العتيد المثير للضحك يستهين بعقولنا، يرسخ الساقط، ويلمع المنطفئ، ويبرز الهايف، ويقدم "العبط" دون أدنى إحساس بالخجل! مساحات عريضة من البث الغثاء يقوم عليها سذج عنوانهم "الخيابة"، والخيابة تدفعنا كلما زادت إلى الكتابة قرفا مما يقدمه المذيعون الفلتة، ونعرف عندما يستضيف مقدمو البرامج الأطباء نستفيد معلومات طبية، وعندما يستضيفون وزراء نتعرف على خطة الدولة المستقبلية، وعندما يستضيفون علماء الدين نستنير بعلمهم وفتاواهم الدينية، لكن ما الذي نستفيده من استضافة دجال يستخف بالناس فيدعي النبوة، ويتجرأ فيقول إنه يتحدث إلى الله، وإنه "جاب الإخوان وشالهم" بمساعدة الشعب! أعجب من جرأة "الأفاق" الذي كان من المفروض أن يضرب بالـ....، ويقبض عليه ويحبس لاجترائه بتخريف في معلومات معروفة لمليار ونصف المليار مسلم وتقول إن محمد-صلى الله عليه وسلم- هو آخر الأنبياء، ثم سؤال هل يحتاج النبي لعسكري شرطة، أو ضابط جيش، أو زيد أو عبيد ليساعدوه في إنجاز معجزاته؟ مساء البتنجان.إلى من يهمه الأمر هل نتطلع في العام الجديد إلى ميثاق شرف إعلامي يضع قواعد للبث الإعلامي المحترم يلاحق كل من يخرج عنه، وهل نتطلع إلى هيئة تلاحق قنوات "نبين زين ونوشوش الودع" وتقرأ الطالع والنازل، وتقدم الفاسد والمنحط، وترى الغيب، وتفسد الطفولة، وتنشر الفجور، وتضحك على الذقون بتقديم وصفات الشفاء الخرافية، ووعد بالشفاء من أي داء خلال أسبوع؟ هل نتطلع إلى حماية المشاهد من كل ملوثات البث أم إن إعلام "السداح مداح" بأمواله المتحكمة أكبر من أي ميثاق؟. المذيعات أنواع، قدرات، مسطحات، شقراوات، سمراوات، طلات، ثقافات، ويبدو أن ضيف البرنامج كان أكبر من ثقافة إحداهن فقد كانت تلقي السؤال على ضيفها وكأنها تتخلص منه، وتظل ساكتة لا محاورة ولا مشاركة، تظل هكذا حتى ينتهي الضيف من كلامه المتصل فتشكره، وتنهي البرنامج، وإلى اللقاء، نوع تاني من المذيعات ما أن تلقي بسؤالها لضيفها حتى لا تكاد تأخذ نفسا، بين كل كلمتين تنط للضيف مقاطعة له فتحرمه التركيز في إجابة مفيدة حتى يتجرأ الضيف ويطلب منها بأدب "السكوت"، حتى يكمل ما يريد قوله، وساعتها فقط تخجل وتقطع النفس، ثالثة تهتم بشعرها، ورموشها، وفستانها المفتوح صدر وظهر، ولا تهتم بتحضير المادة التي تسأل عنها الضيف، كل المهم أن تقرأ ما كتبه المعد وخلاص!.للذكرى، زمان كان الإعلامي يذاكر للضيف، يبحث في موضوع الحلقة، يسترجع معلومات، تواريخ، سير حياة، وكان تحضيره يقدم للمشاهد مذيعا محاورا، مثقفا، بين كتفيه رأس به عقل "مش بطيخة"!طبقات فوق الهمسرغم الثلج والمطر تحتل ناصية الشارع، تجلس على قفص بملابس خفيفة لا تقيها سعار البرد معتمدة على دفء النار الذي لا يصلها من فرن صغير تشوي فيه الذرة والبطاطا، تداعبني كلما مررت بسيارتي "دره سخنة يا غالية.. مش عايزه درة؟" أبتسم وأمضي، مرة جلست إلى جانبها أنتظر ما ستشويه لنا من الذرة، تجاذبنا أطراف الحديث، سألتها الدنيا برد، كيف تتحملين البقاء في الشارع في جو كهذا والساعة متأخرة قالت: (عندي ولاد لزمن يكلو، أتعب عشان يرتاحو، والحمد لله ربنا بيقويني) تأملت ضعفها، وعمرها، وصبرها، وكم المطلوب منها، تأملت حنانها، وإنسانيتها، وأمومتها، وتعب فوق قدرتها على الاحتمال، ودموعا ذرفتها عيناها وهي تحكي وجعها الذي تداريه، وتساءلت روحي هل يشعر أولادها بأوجاعها؟ وهل يقدرون آلامها، هل يستطيعون رد جميلها أو شيء منه، الجواب مؤجل حتى يكبر الأولاد، وقد ألتقي بائعة الذرة المشوي يوما لو امتد الأجل لأسألها هل وفى الأولاد لتعب عمرك وشقائك أم قتلوك يا صابرة بالعقوق والتجاهل؟.دفء الروح دفء خاص لا يعرفه إلا من يلتقيه. عندها كل شيء.. كل شيء، إلا الأدب!. البعض كماء البصل همه الوحيد أن يجعل عيون الناس تذرف، آه ناس بتتسلى!.مهلا، ستجني ما زرعت، وستشرب مما سقيت، هذا وعد الأيام الذي لا تخلفه.جالس للناس على الواحدة، يرى ما في عيونهم من قش، ويتجاهل "المقشة" التي في عينيه!.