31 أكتوبر 2025
تسجيلالعنف إذا ما قدر له أن يستمر لفترة طويلة في مصر فإنه سيضعف الحكومة والإخوان على السواء مع تعمق حالة الاستقطاب السياسي وتحولها من صراع سياسي فكري إلى صراع مجتمعي يوفر البيئة الحاضنة تماما لقوى إرهابية لتتصدر واجهة المشهد. وعلى الرغم من إعلان الإخوان تنظيما إرهابيا قضى من حيث الشكل على أمل المصالحة الوطنية بين القوى السياسية ، إلا أن خطوط التراجع ما زالت إمكانياتها قائمة لدى العسكر والإخوان، وكلاهما يعلم الخطوات المطلوبة لعدم جرّ البلاد إلى دائرة لن يستطيع أحد أن يتحكم بها فيما بعد. وإذا كان النظام الحالي يراهن، بالركون للممارسات الأمنية، على القضاء على الإخوان أو إحداث انشقاقات عميقة تفتت التنظيم في المستقبل المنظور فهو واهم لاعتبارات عديدة، أقلها أن الجماعة لم تشهد انشقاقا جماعياً في تاريخها السياسي رغم الضربات الأمنية المتلاحقة. وإذا كانت شهدت بعض انشقاق في القيادات إلا أنها كانت انشقاقات فردية، ولم تؤثر على بنية التنظيم وفعاليته. فالإخوان المسلمون جماعة منظمة جداً، وتحكمها هرمية معقدة، تجعل من الصعب اختراقها أو التأثير عليها من خارجها. بل إن الضربات الأمنية المتلاحقة، والعزلة السياسية التي فرضها النظام منحت الإخوان المسلمين الخبرة في تحصين التنظيم والعمل في ظروف قاسية ومعقدة. ومن أهم الأسس التي تعتمدها الحركة في مواجهة الأخطار هي تربية أفرادها على أنهم جماعة مؤمنة، سيتعرضون للظلم والاضطهاد، وأن ذلك ابتلاء من الله ، تعرض له الأنبياء من قبل ، وأن الصبر والتحمل سيمكنان الجماعة من تحقيق أهدافها. ثم إن الجماعة اليوم في قبضة الرجل الثاني محمود عزت، النائب الأول للمرشد، الذي يوصف بالرجل الحديدي داخل الجماعة. ويشار إليه بالفضل إلى جانب التيار القطبي في إعادة بناء الجماعة وتماسك تنظيمها بعد أن خرجت منهكة من صراعها مع العسكر خلال حقبة عبد الناصر. ورغم عدم وجود مؤشرات على خلخلة الجماعة إلا أنها تعيش حالة الصدمة وربما أمامها وقت طويل قبل أن تبدأ بالتعاطي بعقلية باردة وهادئة وهادفة مع المشهد السياسي، إذ أغلب ما تقوم به هو ردّات فعل تعكس حالة الإنكار التام لأحداث 30 يونيو التي أخرجتهم من الحكم ، في حين يهدف الحاكم الفعلي للبلاد بإبقائه قيادات الصف الأول داخل السجون إلى شلّ الجماعة، وإطالة فترة الصدمة لديها ودفعها لخيار العنف، حتى لا تملك زمام المبادرة قبل أن يتمكن من ترسيخ قواعده على أرض صلبة. يعلم الإخوان أن اللجوء للعنف سيقضي على الجماعة تماماً، وربما ينحو بعض شبابها من الجيل الجديد نحو التشدد والرغبة في الثأر من الجيش والشرطة، لكن في نهاية المطاف إما أن يرضخ هؤلاء لقرارات الجماعة أو يخرجوا من صفوفها إلى تنظيمات متشددة. وكان واضحاً ما قاله المرشد العام للإخوان محمد بديع: "ثورتنا سلمية وستبقى سلمية، سلميتنا أقوى من الرصاص".عمليا لا يوجد اليوم أمام الإخوان إلا النضال السياسي في الداخل والخارج لإعادة المكتسبات السياسية، وأمامهم الآن فرصة لدراسة ما حصل منذ ثورة 25 يناير وحتى إقصائهم التام عن المشهد السياسي، لمعرفة مكامن الخلل في الأداء. وقد يفشلون في رؤية الصورة بشكل واضح بسبب مبالغتهم في الاعتقاد أن ما حصل كان مؤامرة من الجيش والدولة العميقة للقضاء على الديمقراطية الوليدة، وإعادة النظام القديم بعد تجديده.بات معلوما أن الإخوان يحاولون إحياء الثورة في ذكراها القادمة في 25 يناير، وهم بدأوا بمدّ الجسور المقطوعة مع قوى ثورية مدنية خرجت على مرسي لكنها لم ترض عن النظام الجديد، مثل حركة 6 أبريل ، وبعض الشخصيات المستقلة، حيث تأمل الجماعة بترميم البيت الثوري مقابل تنازلات تقدمها، كالاعتذار للشعب عن الأخطاء التي وقعوا بها خلال وجودهم في الحكم، لكن هل ذلك سينجح؟ وفي حال فشله ما هي الخيارات البديلة السلمية المتبقية لدى الإخوان؟ وإذا كانت الحكومة الحالية لا تملك رؤية واضحة في تعاملها مع الإخوان وحلّ مشكلتهم فإن الجماعة لا تملك بدورها برنامجاً واضحاً وموثوقاً لإسقاط ما تراه انقلابا عسكرياً، والذي بدونه لا يمكن لها أن تضمن عودة مشرفة للمشهد السياسي من جديد.