06 أكتوبر 2025
تسجيلفي فاتحة الكتاب، نردد في اليوم مرات عديدة آية الهداية، التي نسأل الله أن يهدينا ( الصراط المستقيم ) الذي أوضحت ماهيته الآية التالية في قوله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم ) أو طريق الأنبياء والمرسلين، طريق الحق، لا طريق الباطل الذي أوضحته الآية التالية أيضاً والمتمثلة في طريق أو صراط ( المغضوب عليهم ولا الضالين ).. المفسرون ذهبوا إلى أن المغضوب عليهم هم اليهود، الذين كانوا قبل بعثة الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم – الذين كانوا يأملون بل ويبحثون في كثير من المناطق عن النبي المنتظر، الذي كانوا يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل.. نعم، كانوا على علم بخبر هذا النبي الأحمد الذي سيخرج في جزيرة العرب. يأملون أن يكون نبي آخر الزمان منهم، وكانوا أهل علم ودراية، يفوقون الأميين العرب في الجزيرة، الذين أفنوا أعمارهم في حروب عبثية أو في تجارة بين الشام واليمن، غارقون مع أوثانهم وراضون بهامشيتهم بين الأمم في تلك الفترة الزمنية. وكان القليل من العرب من يقرأ ويسأل ويتفكر في أمور الأديان والرسالات والأنبياء، على عكس اليهود آنذاك. وعلى رغم علم اليهود بأخبار نبي آخر الزمان، إلا أنهم لم يكونوا على دراية واضحة بنسب أو أصل هذا النبي، وما إن كان هذا الأحمد سيكون عربياً أم من اليهود أم غيرهم.. ظهر النبي الموعود أخيراً، ولكن ليس من نسل يعقوب عليه السلام، وليس كما كان اليهود يشتهون أو كما كانوا يتمنون ويرغبون. ولد نبي آخر الزمان من بني هاشم من نسل النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهم جميعاً وعلى رسولنا الكريم أفضل الصلاة وأزكى التسليم. لقد أدرك وعرف اليهود معنى أن يكون النبي الجديد من غير اليهود، وهذا الأمر كان يعني عندهم أنهم على موعـد مع عداوة طويلة ستبدأ بعد حين من الدهر قصير، ولن تنتهي.. فلقد كان مكتوباً عندهم في التوراة أن نبي آخر الزمان اسمه أحمد، وأنه سيكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وستحدث أمور، وستقع وقائع عظيمة مع ظهوره، منها أن اليهود لن يكونوا بعد اليوم، شعب الله المختار كما كانوا يزعمون من قديم، وسيكونون شعباً محتاراً تائهاً، وإن سكنوا وهدأوا حيناً من الدهر، طال أم قصر، إلا أنهم يدركون تمام الإدراك أن المسألة مؤقتة، حتى لو التف حولهم وساندهم من ساندهم من الإنس والجن.. ولهذا قرروا معاداة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - من البداية، ومعاداة كل من سيكون على دينه ومنهجه إلى أن يشاء الله أمراً كان مفعولا. ولكن لماذا العداوة؟ بعد أن خاب ظنهم وخرج نبي آخر الزمان عربياً من بني هاشم من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، أعلن اليهود وقرروا أن يعادوه منذ البداية، وقد كان.. وتأذى منهم النبي الكريم وأصحابه الكثير الكثير.. ابتداء من مؤامرات بني قينقاع والنضير ثم خيانة وغدر بني قريظة للمسلمين، وانتهاءً بيهود خيبر. وعلى الرغم من كل ما أنزل بهم من عقوبات جراء تلك العداوات والمؤامرات، إلا أنهم لم يرتدعوا، بل استمروا في عداواتهم بصورة وأخرى الى يوم الناس هذا والى ما شاء الله أن يكونوا.. لكن السؤال الذي ربما يطرحه أحدنا وهو يبحث ويقرأ هذه الأحداث: لم العداوة؟ الغرابة في مسألة معاداة اليهود للنبي الكريم أنهم هم من بدأ، رغم أنه - صلى الله عليه وسلم – بعد هجرته إلى المدينة واستقراره فيها، لم يكن قد تعامل معهم بعد، ولم يحتك بهم أو يقم أي علاقات معهم.. بل وصل الأمر أن كان بعض أحبارهم وكبار علمائهم يجهرون بالعداوة، ولا يترددون في إعلانها للناس حينذاك ! فلم العداوة إذن؟ هذا السؤال الذي إن عرفنا إجابته، سهل علينا فهم الكثير من الحاصل اليوم في علاقات المسلمين بهؤلاء القوم. لقد عادى اليهود النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ليس لشيء بقدر ما هو حسد عميق، كان ضارباً في أعماق نفوسهم. هذا الحسد تطور إلى كراهية وعداوة وحروب ومؤامرات مستمرة، عليه وعلى أتباعه إلى ما شاء الله للأرض أن تبقى، أو هكذا تقول الأحداث والوقائع عنهم.. حين نتأمل فاتحة الكتاب، نجد القرآن يعتبرهم من المغضوب عليهم.. لماذا؟ لأنهم عرفوا الحق منذ النبي موسى – عليه السلام – ووجدوا طريق الهداية، لكنهم رفضوا اتباع الحق والسير على طريق الهداية، لا طريق موسى ولا طريق محمد – عليه وعلى موسى أفضل الصلاة والسلام - بل أكثر من هذا، قاموا بإعلان العداوة بشتى الطرق عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، وإلى ما شاء الله. حين يقول البعض إنه ليس بيننا وبين اليهود شيء، نقول لهم: لا، هناك أشياء وأشياء، وحين يقولون لك هناك فرق بين اليهود والصهاينة، نقول لا فرق.. بل اليهود أشد عداوة للذين آمنوا، وليس هذا من عند أنفسنا، بل هو قرآن يُتلى إلى يوم الدين. قد تبدو لك اليوم أن هناك فروقات بين اليهود وبين الصهاينة، حتى تكاد أحياناً تلين مع الذين يظهرون يهوديتهم ويعارضون الصهاينة، لكن في حقيقة الأمر الصهاينة هم الجزء البارز فقط، ولا فرق كبيراً بين الفريقين. ليس من السهل أن نتجاوز الحقائق التاريخية وليس سهلاً أن ندّعي عكس ما هو مبين وواضح في القرآن الذي إن فهمناه، واستوعبنا توجيهاته وحقائق الأمم وأنواع البشر من حولنا، فلن نجهد ونتعب في فهم علاقاتنا الحالية مع غيرنا من الأمم، واليهود منهم وكذلك المنافقين. وهذا لب الموضوع. [email protected]