10 سبتمبر 2025
تسجيلالرقابة بمفهومها العام هي عملية متابعة دائمة ومستمرة تقوم بها الإدارة للتأكد أن ما يجري في وحدة العمل يتم وفقاً للخطط والسياسات والبرامج.. والرقابة تشمل جوانب العمل الإداري قاطبة ولا تقتصر على الجانب المالي دون غيره.. والرقابة عملية مستمرة تبدأ مع كل عملية ولا تنتهي أو تتوقف.. والرقابة قد تكون داخلية أو خارجية.. كما أنها لا تقتصر في أدائها على المستوى الإداري الأعلى بل تؤديها كافة المستويات، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، والفكر الإداري الحالي يركز جل اهتمامه على نوعين للرقابة: 1 - رقابة السلطة التنفيذية والمتمثلة في الحكومة والوزارة والأجهزة التنظيمية التابعة لها. 2 - رقابة الرأي العام.. وهي الرقابة الشعبية والمتمثلة في المجالس النيابية والتشريعية. الرقابة في الفكر الإسلامي مستمدة من قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. فتنص الآية الكريمة على ثلاثة أنواع للرقابة: 1 - رقابة الضمير: وهي شعور المرء برقابة الله تبارك وتعالى.. وهي رقابة ذاتية وتظهر في قوله تعالى "فسيرى الله..". 2 - رقابة تنفيذية: وهي رقابة أولي الأمر "ورسوله" وتتمثل في الوقت الحالي برقابة السلطة التنفيذية ورقابة السلطة القضائية. 3- رقابة الرأي العام: وتتمثل في السلطة الشعبية سواء تمثلت في سلطة منتخبة أو علماء أو أفراد وواجبهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والفكر الإسلامي يعول على الرقابة الذاتية ويصدر بها أنواع الرقابة، بينما الفكر المعاصر لا يضع لهذه الرقابة اعتبارا، والإسلام في تحقيقه لرقابة الضمير يجعل من كل فرد رقيباً على نفسه يحاسبها قبل أن يُحاسب وتزن عملها قبل أن يوزن عليها فإذا راقب الفرد ربه فراقب نفسه وكبح جماحها لم يكن في حاجة إلى رقيب، وإذا طرح ربه وراءه ظهرياً أعيا كل رقيب.. وهذا الاهتمام بتحقيق رقابة الضمير في الفكر الإسلامي أدى إلى الاهتمام البالغ في إعداد الفرد ويستخدم لتحقيق هذا الهدف وسائل مختلفة ومتكاملة. رقابة الضمير هي خط الدفاع الأول ضد أي انحراف ولكن الفكر الإسلامي رغم ذلك لم يهمل الرقابة التنفيذية والشعبية وقد جسد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفهوم الرقابة التنفيذية بقوله: "أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أكنت قضيت ما علي؟ قالوا: نعم. قال: لا حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا". فكان رضي الله عنه يتابع عماله والولاة ويتفقد أموال المسلمين ويرسل العيون وتمثلت الرقابة القضائية في نظر القضاء بتعدي الولاة وأجور العمال وفي خصومات الجمهور. والرقابة الشعبية التي يجسدها الشعب ويراقب بها ولي الأمر حيث إن الإمام يستمد سلطاته من الشعب. من كل ذلك يتلخص جلياً الدور الفعّال الذي تؤديه الرقابة الذاتية (رقابة الضمير) في تحقيق الجدوى من العمل وفي التخفيف من عبء المراقبة والمتابعة ويغدو حينها كل فرد رقيباً على نفسه يؤدي دوره بكل جودة وإخلاص وإتقان. واليوم كحال الكثير من العلوم يعود العلم في اكتشافاته إلى منهج الإسلام الأصيل ونبعه الصافي فينادي رجال الفكر الإداري في العصر الحديث باعتماد منهج الرقابة الذاتية كسياج أول لحماية العمل الإنتاجي في شتى المواقع وذلك بعد اكتشاف أهميتها العملية والإدارية البارزة في العمل.. فتحقيق رقابة الضمير هو تحقيق للرقابة الفعّالة بأفضل صورها وأنقاها وأقواها.. ولا يمكن تحقيق هذه الرقابة دون بناء الإنسان.. ولا يمكن بناء الإنسان دون منهج السماء المتكامل الراسخ. المصدر: الجزيرة