04 نوفمبر 2025
تسجيلما بين أفئدة واجفة مرتجفة وأخرى يدفعها حماس التغيير ويؤزها اليأس من إصلاح حال بائس سارت به الرياح قبل أن تسير به الرُكبان.. ما بين هذا وذاك يقف الحادبون على مصلحة السودان مشدوهين تحدثهم نفسهم الأمارة بالخير عن مآل قد يكون كارثيا، فتضاف كارثة جديدة على دول المنطقة بعد كوارث سوريا واليمن والعراق وليبيا والصومال من قبل.من ناحية فقد أخذ الرأي العام السوداني يتبلور بسرعة كبيرة تجاه الفشل السياسي الكبير والأفق المسدود، والرأي العام مظهر مباشر لوجود المجتمع السّياسي، ويرتبط بالوعي السّياسي لدى شعب من الشعوب. فينشأ نتيجة لنشأة الوعي السّياسي لدى الجماهير، ويساعد في إعمال الفكر وإبداء وجهات النظر تجاه القضايا السياسية والاقتصادية التي تفرض نفسها بقوة فهي تمس المصالح الجوهريّة للشعب. الخطر الماحق غياب القيادة السياسية للحراك الشعبي الذي يموج حتى اللحظة بشكل تلقائي رغم محاولات المعارضة التقليدية ركوب الموجة والاستثمار السياسي في معطى عجزت عن فهمه دعك من قيادته وتوجيهه.. وحراك بهذا الحجم من دون قيادة أو من دون استجابة ذكية من قبل النظام الحاكم والمتسبب في هذا المآل البائس، قد يتحول لسيل ضارب يأتي على بنيان الدولة من القواعد. وإن كانت هناك من حكمة في العقل الجمعي لنظام الرئيس عمر البشير، فإن الصورة واضحة ومكتملة ولم يبق إلا الاستجابة الذكية والعقلانية.. بيد أنه كلما أمعن النظام في التأخير والمماطلة كلما زادت الكلفة السياسية.. إنها جراحة كبرى ودقيقة إن كان القوم يعلمون.. لن يرضى الرأي العام الثائر بأقل من التغيير الشامل والكامل لكابينة القيادة.. التحديات الاقتصادية والسياسية عظيمة تحتاج لأولي العزم من الرجال وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. حتى الآن ليس إلا تحركات سياسية خجولة بل مرتبكة من جانب النظام لا تبشر بخير ولا تنبئ بفهم واستيعاب لتسونامي العصيان المدني في يوم 27 نوفمبر الماضي والأيام التالية له.. الحزب الحاكم بدأ بتقديم كباش الفداء دون التعاطي الجاد مع المشكلة.. المكتب القيادي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم أصدر قرارًا قضى بإعفاء أمين أمانة الإعلام بالحزب من منصبه.. المدينة تتحدث عن تحميل الرجل غض الإهاب فشل التعاطي الإعلامي مع تسونامي 27 نوفمبر. وكان ملف الإعلام بالحزب الحاكم محل نقد كبير في الآونة الأخيرة.وبشكل مفاجئ من جانب آخر دعا الرئيس البشير أصحاب مبادرة "السلام والإصلاح" للاجتماع به ومناقشة مبادرتهم بعد أن رفضتها الحكومة بشدة ولم تعرها سوى التجاهل التام.. وأصل الحكاية أنه قبل نحو 7 أشهر وتحديدا في مايو الماضي تقدمت شخصيات وطنية في البلاد بمذكرة عاجلة أسمتها مبادرة "السلام والإصلاح" وعرضتها على رئاسة الدولة، وطالبت بتشكيل حكومة تكنوقراط جديدة لأجل وقف تفاقم الأزمة السياسية.في المقابل أجل زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي عودته للبلاد بعد غزل سياسي مشهود متبادل بينه وبين الحكومة، وشرعت قيادات الجنوب بالداخل تقرع طبول الثورة على النظام الحاكم.. وكانت إحدى الصحف السودانية المستقلة قد أعلنت عودة المهدي في التاسع عشر من ديسمبر المُقبل، بالتزامن مع الذكرى (63) لإعلان استقلال السودان من داخل البرلمان، وهو نفس الموعد الذي ضربه البعض للقيام بعصيان ثان.ليس اليوم أمام الخرطوم إلا الإصلاح السياسي الذي يعرّف قاموس وبستر للمصطلحات السياسية (1988) بأنه "تحسين النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والاستبداد".. ومن مظاهره سيادة القانون والشفافية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار والعدل وفعالية الإنجاز وكفاءة الإدارة والمحاسبة والمساءلة والرؤية الإستراتيجية، وهو تجديد للحياة السياسية، وتصحيح لمساراتها، ولصيغها الدستورية، والقانونية، بما يضمن توافقًا عامًا على الدستور، وسيادة للقانون، وفصلا للسلطات، وتحديدًا للعلاقات فيما بينها "وهذا التعريف يتبناه برنامج الأمم المتحدة لإدارة الحكم في الدول العربية. فالإصلاح السياسي الآمن صمام أمان للدولة بمفهومها الجيوسياسي وهو تعديل أو تطوير غير جذري في الخريطة السياسية التي عرف بها السودان خلال المائة عام الماضية كما لا يمس بالضرورة العلاقات الاجتماعية أو العبث بأسسها.. إنه لأمر جدُّ مهم في ظرف مفصلي ومصيري التدبر في الآية القرآنية الكريمة التي خُص بها فرعون في قوله تعالى: {إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} الآية 19 سورة القصص.