11 سبتمبر 2025
تسجيلفي السادس من ديسمبر 1961غيّب الموت المفكر والمناضل المارتينيكي فرانز فانون الطبيب النفسي الذي عالج المرضى في مستشفى البليدة جنوب العاصمة الجزائر وانخرط في النضال ضد أبشع استعمار عرفته البشرية، الاستعمار الفرنسي الذي اغتصب الأراضي والبلاد والعباد ودمر الثقافة والدين واللغة وتسبب في الفقر والجهل والتنكيل بالملايين من الجزائريين. فانون عايش ويلات الاستعمار الفرنسي في الجزائر وقرر الانخراط في صفوف جبهة التحرير الوطني ومحاربة الظلم والاستبداد. ربّما لا يعرف الكثير من الجزائريين والعرب من هو "فرانز فانون" Frantz Fanon ومن هو هذا الطبيب وصاحب رائعة "معذبو الأرض" و"بشرة سوداء وأقنعة بيضاء" و"السنة الخامسة من الثورة الجزائرية"، غير أنّ تاريخ الرجل ونضاله الكبير ضدّ قوى الاستعمار مرتبط أساسا بالدول التي عانت من ويلات الاستعمار. استطاع فانون أن يصل بأفكاره التحرّريّة إلى جميع أنحاء العالم، ويؤثّر في العديد من المجتمعات والشعوب بأفكاره التحررية ونقده لوضع مأساوي كارثي سببه الدول الاستعمارية التي تدعي أنها تصدر الحضارة والديمقراطية لمستعمراتها وهي في الواقع تسبب لها الجهل والفقر والأمية. كما كانت كتاباته وأفكاره خارطة طريق لحركات التحرر وقوى محاربة الظلم والاستبداد والاستعمار في جميع أنحاء المعمورة. من خلال كتاباته حارب فانون الاستلاب والاغتراب والذوبان في الآخر، أي المستعمِر الذي عمل جاهدا على محاربة الثقافات الأصلية المحلية وفرض ثقافته وقيمه والتي هي في الأساس أنظمة وقيم لا تصلح إلا لموطنها الأصلي، إن كانت تصلح أساسا.في تصدير كتاب "معذبو الأرض" لفرانز فانون يهاجم جان بول سارتر بشكل صارخ ويسخر، من المجتمعات الاستعمارية الأوروبية التي ترتكب الجريمة وتعاير بها الضحية؛ فهذه المجتمعات قد وضعت الضحية في قفص الاتهام لتحولها إلى وحش عنيف، غير مدركة أن تلك نتيجة طبيعية لتوحش الاستعمار وانتهاكاته الجسدية والنفسية التي يمارسها على المستعمَر". من الجزائر ودول المغرب العربي إلى إيران وإندونيسيا، وصولا إلى دول أمريكا الجنوبيّة، كان اسمه من أشهر المفكرين خلال الخمسينيّات والستينيّات من القرن الماضي، جنبا إلى جنب مع "تشي جيفارا" و"باتريس لومومبا" و"جون بول سارتر" و"إيميه سيزار" و"أميلكار كابلار"…وغيرهم، حيث كانت هذه النخبة من أصحاب الفكر الثوري التحرري تمثّل آنذاك "صيحة الفكر التحرّريّ العالميّ"، التي توازي نضال "حركات التحرّر الثوريّة" في دول آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، بقيادة "جبهة التحرير الوطنيّ" في الجزائر، و"منظمة التحرير" في فلسطين، و"جومو كينياتا" زعيم ثورة الماوماو في كينيا، و"سامورا ميشال" في موزمبيق، و"روبرت موجابي" في زيمبابوي، و"فيدال كاسترو" في كوبا و"جمال عبدالناصر" في مصر، و"هو شي منه" و"الجنرال جياب" في فيتنام وجواهر لال نهرو في الهند وجوزيب بروز تيتو في يوغوسلافيا، و"نيلسون مانديلا" في جنوب إفريقيا وغيرهم. تاريخ فرانز فانون يمثّل سجّلا حافلا من المشاركات الفكريّة في التعبئة الثوريّة لطلائع المجتمعات المستضعفة الثائرة ضد الاستعمار، حيث استطاع هذا الرجل الزنجيّ، القادم من جزر المارتينيك أن يجد له مكانا وسط المناضلين ضدّ القمع والبطش والاستغلال، الذي كانت تمارسه قوى الاستعمار ضدّ الشعوب المستعمرة على مدى عقود طويلة، ورغم مشاركته القصيرة في الكفاح المسلّح ضمن صفوف جبهة التحرير الوطنيّ في الجزائر بين سنتي 1957 و1961، غير أنّ الرجل ترك بصمة واضحة في تاريخ الثورة الجزائريّة تحديدا، وتاريخ حركات التحرّر العالميّة عامّة، وهو لا يزال حاضرا بفكره حتّى الآن، وسط مفكّري الحركة التحرّرية العالميّة المعاصرة. في كتابه " بشرة سوداء أقنعة بيضاء" يرى فرانز فانون أن الاغتراب تجربة فردية أولًا، وتجربة جمعية ثانيًا حين تمتد إلى تحنيط ثقافات عاشت آلاف السنين في نفوس أبنائها. وحيوية الثقافة، وبالتالي قدرتها على مقاومة الإفناء، مرهونة أساسًا بشرط معرفة أبنائها لماهية ذواتهم وماهية هويتهم. ويصبح ذلك مستحيلًا حين يتمّ إحلال أساطير الدونية الثقافية (التي يصنعها ويروّج لها المستعمِر) محلّ الوعي الجمعي عند أبناء البلد الأصليين. وهنا «لا تكون العنصرية رفضًا لجسد ابن البلد ونفسه فحسب، بل تنقلب إلى حكم عليه بعقدة الذنب الأبدية».