18 سبتمبر 2025

تسجيل

الأبواب حين تُقفل

10 ديسمبر 2015

جاء عن معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، أنه قام في يوم جمعة، فخطب وقال: إنما المال مالنا والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا، ومن شئنا منعنا.. فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل مقالته، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن شهد المسجد فقال: كلا، بل المال مالنا والفيء فيئنا، ومن حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا.. فلما صلى أمر بالرجل فأدخل عليه، فأجلسه معه على كرسي الحكم، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال: أيها الناس، إني تكلمت في أول جمعة فلم يرد عليَّ أحد، وفي الثانية فلم يرد عليَّ أحد، فلما كانت الثالثة أحياني هذا أحياه الله – وأشار إلى الرجل – وقال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: سيأتي قوم يتكلمون، فلا يُرد عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة ـ فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما ردّ هذا علي أحياني، أحياه الله، ورجوت أن لا يجعلني الله منهم. ما جرى مع معاوية سبق وأن حدث مع أبي بكر وعمر بن الخطاب بصورة أكثر سهولة ومرونة، حين كان الصحابة لا يتأخرون لحظة في انتقاد أي أمر ليس فيه نص من القرآن أو لم يقل به الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، حتى لو كان الأمر أو الفعل من طرف الخليفة نفسه، يواجهونه في الطريق أو المسجد أو البيت، إن استدعى الأمر، وبالمقابل كانت ردود أفعال الخلفاء يومها طبيعية جداً، لا تعصب ولا تشنج ولا نفور من المنتقدين، وهكذا استمر الوضع على ذاك النهج حيناً من الزمن.لكن مع تعاظم الدولة وتوسعها وكثرة الناس، بدأ أمر الوصول إلى صاحب القرار الأول في الدولة أمر فيه بعض الصعوبة والمشقة، بسبب أن الرئيس أو الخليفة نفسه كانت مهامه وأشغاله وهمومه أكبر وأكثر، إضافة إلى الاحتياطات الأمنية المعروفة، وبالتالي بدأت أبوابهم تُغلق شيئاً فشيئا، ولكن في الوقت نفسه ظهرت بدائل، فكانت أبواب النواب ومن ثم الوزراء والمدراء العامين.. وهكذا كانت تُفتح أبواب جديدة في كل عصر وزمن مع توسع الدولة وتعاظم الهيكل الإداري لها، حتى غدا الوصول إلى الباب الأول أمراً غاية في الصعوبة، إلى أن جاء عصر المعلومات مصحوباً بثورة الاتصالات.. فماذا جرى؟هذا هو لب حديث الغد، بإذن الله.