13 سبتمبر 2025

تسجيل

مصائب "أوبك".. وفوائد الآخرين!

10 ديسمبر 2014

المقولة المشهورة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، تنطبق الآن على سوق النفط العالمي بالنسبة للخاسرين أو الرابحين بعد سلسلة انخفاضات سعر برميل النفط التي تخطت %30، لأن انخفاض الأسعار العالمية يحمل في طياته آثارا سلبية على المنتجين التقليديين، وعلى الولايات المتحدة التي تحتاج إلى استثمارات ضخمة للحفاظ على وتيرة إنتاجها من الوقود الصخري بمعدل أسعار لا تقل عن مستوى 75 دولارا للبرميل، وفي الجانب الآخر ستكون لذلك تأثيرات إيجابية على الشركات والمصانع التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة أو من المشتقات النفطية في الإنتاج، نظرا لدور انخفاض الأسعار في خفض التكاليف الإجمالية للإنتاج، وأكثر المستفيدين من ذلك الاقتصادات العالمية الكبيرة مثل الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان والصين، وذلك طبقا لمعدلات استخدام الطاقة، كما أن انخفاض أسعار النفط ينجم عنه انتقال للثروة من البلدان المنتجة إلى البلدان المستهلكة،حيث تحصل الشركات على هامش أكبر وتتحسن القدرة الشرائية للمستهلكين، وتستفيد من ذلك الدول الفقيرة أيضا من خلال تخفيض ميزانيتها المخصصة لاسترداد الطاقة، أما أمريكا ومنطقة اليورو فيمكنها بفضل تراجع أسعار النفط أن تستفيد من الأثر الإيجابي لتراجع اليورو على صادراتها من دون أن تتأثر بسبب ارتفاع أسعار الواردات، وستكون القطاعات الصناعية هي الرابح الرئيسي وهي ستسهم في إنعاش الاقتصاد وفي تشجيع تنافسية التوظيف، وزيادة الأجور، وتحسين الخدمات، وإنعاش مجالات السفر والسياحة والاستهلاك، بالإضافة إلى أن العديد من القطاعات الاقتصادية في العالم تتوقع انتعاشاً في حال استمرار الهبوط في أسعار النفط، خاصة تلك القطاعات التي كانت تعاني من ارتفاع أسعار المحروقات والوقود، في الوقت الذي يتوقع أن يرتفع الطلب أيضاً على العديد من السلع التي ستتأثر هبوطاً بانخفاض أسعار النفط، مثل السلع الصناعية التي تؤثر أسعار الوقود على تكاليف إنتاجها، وعلى العكس من ذلك فإن الكثير من الدول المنتجة للنفط وبعض دول الخليج العربية قد تواجه مصاعب مالية متفاوتة، وبدا ذلك في تحذّير معهد المحاسبين القانونيين في "إنجلترا وويلز" الدول الخليجية من تداعيات الانخفاض المستمر في أسعار النفط، إذ إنها قد تُلقي بضغوطات لا يُستهان بها على اقتصادات دول الخليج العربي، كما أنها ستؤثر قطعاً على النمو الحقيقي، خاصة في الاقتصادات التي لم تُتّخذ خطوات جادة في سياسات التنويع الاقتصادي، وقد نوه صندوق النقد الدولي إلى وجود مخاوف أكثر خاصة في مملكة البحرين وسلطنة عمان من عدم تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة العامة، إذا لم تتوازن مستويات الأسعار عند 100 دولار للبرميل على الأقل في العام القادم، وذلك أوجد حالة من التشاؤم سيطرت على المستثمرين في أنحاء العالم، نظرا لاحتمالات توقف بعض الأنشطة والمشروعات القائمة، أو إلغاء بعض المشروعات المدرجة في الخطط الجديدة، تحسبا لنقص السيولة أو العجز في التمويل، فالبرازيل على سبيل المثال استثمرت بكثافة في المنشآت والبنى التحتية النفطية التي سيكون من الصعب عليها استعادتها في وقت قريب، كما حددت روسيا ميزانيتها على أساس سعر 100 دولار للبرميل، وإن كان التراجع الكبير في سعر العملة الروسية " الروبل سيخفف من الضغوط على الميزانية نسبيا، وكذلك فنزويلا التي تعاني أساسا من اختناق مالي ويشكل النفط 96% من مصادرها من العملة الصعبة، سوف تتكبد الكثير من الخسائر نتيجة للانهيار الحاد في الأسعار الذي تعرضت له السوق النفطية للمرة الأولى منذ خمس سنوات.ولكن رغم هذه الآثار السلبية فإن النظرة التفاؤلية للاقتصاديين تعتبر أن هبوط أسعار النفط كان خبرا رائعا للاقتصاد العالمي، لأنه سيؤثر بشكل كبير على النمو الاقتصادي في العالم خلال شهور الربع الأول من عام 2015، لأن هبوط أسعار النفط سيؤدي إلى انتعاش في بعض القطاعات الاقتصادية، خاصة في القطاع الصناعي الذي تدخل المحروقات في تكاليفه التشغيلية بصورة مباشرة، حيث سيؤدي ذلك إلى تخفيض تكاليف الإنتاج فيه، وهو ما سيؤدي إلى هبوط في أسعار السلع وبالتالي ارتفاع في الطلب عليها من قبل المستهلكين، حيث إن الاقتصادات المستوردة للطاقة ستوفر أكثر من 550 مليار دولار، وهو ما يشكل 0.7% من حجم الاقتصاد العالمي، حتى تعاود الأسعار الارتفاع مرة أخري ولو تدريجيا، عندما تشهد الولايات المتحدة وأوروبا موجات من الثلوج والبرد القارس، الذي سيشعل نار الأسعار مرة أخرى، لتتحقق بذلك مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد".