16 سبتمبر 2025
تسجيلكانت البحار ولا تزال هي الطريق الرئيسي للتجارة ووسيلة الاتصال بين المجتمعات الدولية، وفي ظل الثورة التكنولوجية للمعارف والعلوم وزيادة التعاون والتجارة بين الدول في وقتنا الحاضر ازدادت أهمية البحار بدرجة ملحوظة، وتبعاً لذلك ازداد التهديد بالإرهاب البحري، حيث يجد الإرهابيون في البحر المجال المناسب لتحقيق أكبر قدر لهدفهم ضد الدولة المستهدفة، والذي قد يصل في بعض الأحيان إلى تهديد الأمن القومي لهذه الدولة. جدير بالملاحظة، أنه بينما يقتصر تأثير الأعمال الإرهابية في المجال البري والجوي على الدولة المستهدفة فقط، نجد أن الأعمال الإرهابية التي تنفذ في الميدان البحري تؤثر على مصالح دول قد لا تكون طرفا في النزاع. قال صاحبي: أرجو توضيح ذلك بشيء من التفصل. قلت: المثال على ذلك أن خطف طائرة أو قتل زعيم أو نسف منشأة مهمة يرتبط تأثيرها بمكان الحادث أو ربما يتعداه إلى جهات أخرى محدودة. أما بث الألغام البحرية في الطرقات والممرات الملاحية الدولية وتخريب الموانئ أو غلقها أو تلويث البحار، كل هذه أعمال يتعدى تأثيرها الدولة المستهدفة من الأعمال الإرهابية إلى دول أخرى لها مصالح في استخدام هذه البحار والممرات المائية والموانئ. وكما تتميز الأعمال الإرهابية في المجال البحري بطبيعة خاصة، تمتاز الآثار المترتبة على هذه الأعمال الإرهابية بطبيعة خاصة أيضا، فعلى سبيل المثال نجد أن تفجير حقل بترول بحري أو بث ألغام بحرية بالممرات البحرية أو تلويث البحار بالمواد المشعة.. كلها أعمال تتطلب استخدام معدات ووسائل خاصة لإزالة الآثار المترتبة على هذه العمليات قد لا تستطيع الدولة المستهدفة بالإرهاب القيام بمفردها بها مما قد يجعلها في بعض الأحيان تستعين بإمكانيات وجهود دول بحرية أخرى. قال صاحبي: متى ظهر الإرهاب البحري؟ قلت: الإرهاب في البحر قديم قدم ركوب الإنسان البحر، فمنذ الأزمنة السحيقة والبحار يغزوها القراصنة الذين وجدوا مجالاً كبيراً للثراء السريع، ونفذوا العديد من أعمال العنف والتدمير والخطف والقتل، سواء في البحار أو ضد القرى والمدن الساحلية، وقد ازدادت غارات القراصنة على شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي دفعها للتفكير في بناء أول أسطول حربي لها عام 1797م، لحماية سواحلها من القراصنة. ويعتبر القراصنة الفينيقيون والفايكنج والأتراك والبريطانيون من أكثر الشعوب التي مارست القرصنة على نطاق واسع واستمرت عملياتهم في البحار حتى عام 1830م، ويروى أن بعض الحكام كانوا يمدون القراصنة بالأسلحة والقلاع ويمنحونهم بعض الجزر. وقد كان هناك نوعان من القراصنة أحدهما يعمل مستقلاً لحسابه والآخر كان يؤدي خدماته وأعماله الإرهابية لدولة معينة ضد دولة أخرى، وهؤلاء كانوا يسمون القراصنة الخصوصيين. وكانوا يؤدون خدماتهم بمهاجمة سفن العدو والاستيلاء عليها. وكانت الدول تزود القراصنة بوثيقة خاصة تعرف باسم وثيقة الاعتماد. وقد أصبح مطمح كل قرصان أن يحصل على هذه الوثيقة لتمنحه مميزات مهمة، فعلى سبيل المثال قامت ملكة بريطانيا بالانعام على القرصان الشهير هنري مورجان بلقب سير وتعيينه حاكما على جامايكا نظير قيامه بأعمال إرهابية ضد أعداء بريطانيا في البحار وعلى السواحل، وصارت جامايكا بعد ذلك ملجأ للقراصنة وقاعدتهم الرئيسية لشن غاراتهم على التجارة البحرية والمستعمرات الإسبانية على الساحل الأمريكي وبتحريض من الحكومة البريطانية التي وجدت في عملياتهم الإرهابية سندا قويا لها لتحقيق أهدافها ضد أعدائها الإسبان. وقد نشطت القرصنة في العصور (القديمة والوسطى) أما القرصنة في العصر الحديث فسوف نتناولها بالشرح في مقالة تالية إن شاء الله.