26 أكتوبر 2025

تسجيل

لماذا يُعادي الرجل الأبيض قطر؟

10 نوفمبر 2022

شنت وسائل الإعلام الغربية في السنوات الأخيرة حملة شعواء على قطر بسبب استضافتها للمونديال، وازدادت شراسة هذه الحملة في الأشهر الأخيرة مع اقتراب موعد انطلاق صافرة البداية. ولكن هل قطر كدولة هي المعنية في هذه الحملة؟ أم أنّ الأمر لا يتعلق بقطر ككيان سياسي، إنما بقطر كفكرة؟ لقد انتهى عصر الاستعمار الأوروبي في معظم بلاد المنطقة العربية منذ أكثر من 50 عاما، ولكن عقلية المُستعمِر لم تنتهِ بعد ولم تتغير. في الحقيقة تخبرنا هذه الحملة الشرسة على قطر الكثير عن عقلية المُستعمِر وثقافة الرجل الأبيض الذي استغلّ البلاد والعباد ولم يسمح لهم بالتطور والتحضّر إلا بالطريقة التي يرغب هو بها، وبالحدود التي يسمح هو بها. إنّ الدول التي تشن الحملات على قطر باسم العمال المُستضعَفين هي نفسها الدول التي استضعفت هؤلاء وارتكتب أبشع المجازر في منطقتنا العربية وفي بلاد هؤلاء العُمال الذين يدّعون الدفاع عن حقوقهم. إنّ الجالية الهندية من أكبر جاليات العمال في قطر، وبريطانيا التي تدعو إلى مقاطعة كأس العالم لأسباب "إنسانية" هي نفسها التي احتلت الهند واستغلت مواردها بأبشع الطرق - يُقدّر نهب بريطانيا للهند بـ 45 تريليون دولار- وتسببت بالمجاعات التي أودت بحياة أكثر من 12 مليون إنسان. والفرق بين ما تفعل قطر وما فعلت بريطانيا شاسع، فبينما يأتي العامل الهندي أو غيره بإرادته للعمل في قطر لتحسين أوضاعه الاقتصادية، قامت بريطانيا باحتلال بلاد الهند ونهبت خيراتها وتسببت لها في مجاعات استمرت لسنوات طويلة، وفعليًا فقدوم الهنود وغيرهم من الآسيويين والأفارقة إلى قطر وغيرها من الدول الغنية للعمل فيها، سببه مآسي وفقر بلادهم التي تسببت فيها بريطانيا وفرنسا وباقي الدول الأوروبية! فمن يا تُرى يجب أن يُحاضر الآخر عن حقوق الإنسان؟ في الحقيقة أنّ بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية لا يعنيهم حقوق هؤلاء العمّال ولا غيرهم، وكل شيء عندهم يُكال بمكيالين كما رأينا في شواهد كثيرة في السنوات الأخيرة، آخرها تعاطفهم مع اللاجئين الأوكرانيين "ذوي العيون الزرقاء"، في ظل محاربتهم لغيرهم من اللاجئين "الغير متحضرين"، كما جاء على لسان عدد من مراسلي الإعلام الغربي. إنّ ما يعني الغربيين من هذه الحملات هو أن يُفشِلوا قطر كفكرة، فقطر دولة عربية إسلامية صغيرة صاعدة تُحاول أن تُري العالم الثقافة الحقيقية للمسلمين والعرب بدلاً من الثقافة التي شوهها ورسخها المستشرق الغربي في عقول الغربيين. وقد بيّنت هذه الحملات شعور الأوروبيين الساخط على قطر لنجاحها في مبتغاها، وخروجها من عباءتهم وإفشال رغبتهم بالوصاية على كل ما هو عربي وإسلامي. لقد فضح هذا النجاح شعورهم بالتفوق ومحاولاتهم لإبقائنا تحت إمرتهم، ورغبتهم في أن يُحاضرونا في الأخلاق والإنسانية وغيرها، بينما يجب علينا أن ننسى بشاعة تاريخهم في آسيا وإفريقيا، وأن نكتفي بهز رؤوسنا فقط والرضوخ لرغباتهم، وإلا فنحن لسنا "انسانيين" ولا "أخلاقيين" بمعاييرهم الأوروبية التي لا ترى من ثقافات العالم إلا ثقافة الرجل الأبيض المتفوق الوصي على كل البشر "الأدنى منه".