30 أكتوبر 2025

تسجيل

دور الشركات في تعزيز المسؤولية المجتمعية ووباء كورونا 1-2

10 نوفمبر 2020

ارتبط مفهوم المسؤولية المجتمعية بكتاب نُشر عام 1953م (Social Responsibilities of the Businessman، Howard R. Bowen.) للكاتب هاورد بوين، وهو عن المسؤولية المجتمعية ومسؤولية الشركات الأمريكية. وتقدر المؤرخة الفرنسية كاترين كيكوشي بأنه منذ القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وفي ظل تعاظم قوة المدن والأسواق الكبرى، ومع توسع حركة التجارة الدولية، برزت في أوروبا بشكل غير مسبوق، قضية المسؤولية المجتمعية للشركات. ويشير فريديريك بورنان Frédéric Burnand إلى أن القضية لم تأخذ أبعادها، وتستحوذ على اهتمام جميع الدول المعنية، إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد أن أصبح لدول الجنوب دور فاعل في تاريخ البلدان الغربية. وتبرز هذه المسؤولية في الأزمات كما حدث في الأزمة عام 2008م بانهيار بنك ليمان براذرز وتبعات ذلك، وهو ما يعرف financial crisis of 2008–2010 بالأزمة الاقتصادية، وفي هذا العصر ظهر التحدي أمام العالم أجمع متمثلاً في الجائحة العالمية Pandemic فيروس كورونا المستجد coronavirus COVID-19. ويثير مفهوم المسؤولية المجتمعية إشكالية عدم وجود تعريف محدد، بالإضافة إلى إشكالية ارتباط مفهومه بمراحل نشأته التي كانت بعيدة عن القانون، إذ كانت مرتبطة بعلمي الإدارة والاقتصاد. وعرف البنك الدولي مفهومها بأنها التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم ومجتمعهم المحلي لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة ويخدم التنمية في آن واحد. وهي في جوهرها الوظيفة الاجتماعية لرأس المال، حيث أصبح القطاع الخاص شريكاً أساسياً في تنمية المجتمع في كافة المجالات. وقد وردت تعريفات كثيرة تختلف باختلاف الزاوية أو المنطلق، وقد كانت المسؤولية المجتمعية للشركات والقطاع الخاص عموماً تحظى باهتمام متواضع، إلا أنه تزايد مع مرور الوقت، ونتج عنه خروج العديد من المبادئ التوجيهية والتقارير المتعلقة بالمسؤولية المجتمعية وربطها بالحوكمة والتجارة الدولية وحقوق الانسان، وقام كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، بتعيين جون روجي، ممثلا خاصا بشأن القضايا المتعلقة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وتم وضع مبادئ الأمم المتحدة حول التِّجَارَة وحقوق الإنسان لعام 2011، والتي تعرف اختصارا باسم مبادئ ريجي، وارتبط الاهتمام بالمسؤولية المجتمعية بظهور الأزمات، سواء كانت محلية أم عالمية. وتوجد الكثير من الأمثلة على الأزمات المحلية التي جذبت الانتباه نحو المسؤولية المجتمعية للشركات، كحصار دولة قطر من عدة دول عام 2017م، مما أدى إلى نقص في بعض المواد الغذائية، وكان المجتمع يهتم بدور هذه الشركات، وقد لعبت دوراً في تعزيز المواطنة والمؤازرة. وإذا وقعت كارثة في إقليم دولة معينة فإن الاهتمام بالمسؤولية المجتمعية يبرز في تلك الدولة، فينظر الجميع إلى القطاع الخاص وإلى ما لديه من إمكانيات يستطيع أن يوظفها لتجاوز هذه الكارثة، وألا يستغل هذه الكارثة استغلالاً سلبياً يهدف إلى تحقيق الربح فقط. وهذا النوع هو الاهتمام المحلي بالمسؤولية المجتمعية المرتبطة بظرف أو زمن معين تكون فيه الدولة متعرضة لأزمة ما، وقد تكون بفعل الطبيعة كالفيضانات والأعاصير والأوبئة، وقد تكون بسبب حصار مفروض على الدولة أو بسبب حرب. ومن ناحية أخرى قد يكون الاهتمام بالمسؤولية المجتمعية ناتجا عن أزمة عالمية، كالأزمة الاقتصادية العالمية أو الوباء العالمي. ولعل أوضح مثال على ذلك هذه الأزمة الحالية المتعلقة بالوباء العالمي فيروس كورونا المستجد، وهذه الأزمة لها تبعات كبيرة ليست على الصحة فحسب، بل تتجاوز ذلك لتؤثر على الاقتصاد، نظراً للتدابير الاحترازية المفروضة في الكثير من دول العالم وإغلاق المطارات والنقص في المخزون الدوائي والغذائي. وانطلاقاً من هذه النتيجة يمكن تقييم الالتزام بالمسؤولية المجتمعية في دولة قطر في ظل وباء كورونا المستجد COVID-19 من جهة، ومن جهة أخرى يتم تقييم الالتزام بالمسؤولية المجتمعية في دول العالم في ظل هذا الوباء، مع تأكيدنا بأن هذا التقييم لا يزال غير نهائي، لأن الدول لا زالت تعاني من هذه الأزمة. فأما تقييم الالتزام بالمسؤولية المجتمعية في دولة قطر في ظل هذا الوباء، لا يتم إلا في ضوء ما اتخذته دولة قطر من تدابير، ففي تاريخ 12 مارس 2020 أعلنت عدداً من التدابير الاحترازية للتصدي لوباء كورونا، وكان من هذه الإجراءات إغلاق بعض المناطق الصناعية والتجارية وتقليص عدد ساعات العمل وغيرها من الإجراءات. كما قرر مجلس الوزراء بتاريخ 16 أبريل 2020م، تقليص ساعات العمل في القطاعين العام والخاص وتقليل سعة العمالة أثناء نقلهم في الحافلات، وإجراءات أخرى في ذات الاتجاه. وفي ظل هذه الأزمة ومع عدم وجود نص ملزم بشكل مباشر لمشاركة الشركات للقيام بواجبها تجاه المجتمع دون انتظار المقابل أو الربح الذي ستحققه من استغلال هذه الأزمة، فإن الشركات والقطاع الخاص عموماً تفاوتت مواقفه. وينص المشرع في القانون رقم (1) لسنة 2019 بتنظيم استثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي، وتحديداً في المادة 17 منه على أن: "يلتزم المستثمر غير القطري بالمحافظة على سلامة البيئة من التلوث، والالتزام بالقوانين واللوائح والتعليمات المتعلقة بالأمن والصحة العامة، وعدم الإتيان بما من شأنه المساس بالنظام العام للدولة أو الآداب العامة". ولما كانت الأزمة المتعلقة بفيروس كورونا والتدابير الاحترازية التي قررتها الدولة تستهدف حماية المجتمع، فإن المستثمر غير القطري يقع عليه واجب قانوني مرتبط بالمسؤولية المجتمعية وبحقوق الإنسان معاً، فالحق في الصحة من أهم حقوق الإنسان التي تحرص الدول على صونها في كل الظروف، وهذا الالتزام لا يقتصر على هذا القانون، وإنما يشمل جميع القوانين واللوائح والتعليمات المتعلقة بالأمن والصحة العامة، فإذا كانت التدابير الاحترازية تقرر تقليص عدد ساعات العمل والالتزام بارتداء كمامات وقفازات وملابس تمنع انتقال العدوى فإن هذه التعليمات واجبة الاتباع. وقد نصت المادة الأولى من القانون رقم (13) لسنة 2008 بشأن مساهمة بعض الشركات المساهمة في دعم الأنشطة الاجتماعية والرياضية على أن: "يحصل مبلغ يعادل (2,5%) من صافي الأرباح السنوية للشركات المساهمة المقيدة أسهمها ببورصة قطر.". ونصت المادة الثانية على تخصيص المبلغ المنصوص عليه في المادة السابقة، لدعم الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية والخيرية، وقد يكون اللجوء إلى هذا المبلغ الذي تم تحصيله مسبقاً في هذا الوقت مناسباً وضرورياً. إلا أن الالتزام بالمسؤولية المجتمعية لا يقف عند حد الالتزام بنص القانون، وإنما يتطلب خطوة متقدمة بحيث تكون المبادرة ذاتية، فيسعى المستثمر الأجنبي والشركات والقطاع الخاص عموماً إلى إيجاد الحلول المبتكرة التي تساهم في صون المجتمع وتنميته. ولكن يلاحظ غياب دور الشركات متعددة الجنسيات كمستثمر أجنبي في الدول المضيفة للاستثمار، لأن هذا المستثمر غالباً ما يقوم بمسؤوليته تجاه المجتمع في بلده الأم فقط، دون أن يتعدى هذا الدور، فهل سيلتزم بمسؤوليته تجاه المجتمعات في الدول التي أسس فيها فروعه، فتصير بذلك الشركة متعددة الجنسيات متعددة المسؤوليات تجاه المجتمعات المتعددة، ولربما كان سبب إحجامها أن هذه الأزمة ذات طابع عالمي، فقد يرهق ذلك الشركات متعددة الجنسيات، فتركز على الدولة الأم التي فيها مركزها الأساسي.