02 نوفمبر 2025
تسجيللم يكن وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2002 مجرد تناوب روتيني على الحكم بين أحزاب متنافسة.فعشر سنوات حتى الآن كانت كافية لتلمس مدى التحول الكبير الذي أحدثه الحزب في الداخل وفي علاقات تركيا الخارجية ودورها. ولا أحد إلا ويشير إلى الإنجازات على الصعيد الاقتصادي التي نقلت الاقتصاد التركي إلى مرتبة متقدمة هي الـ 17 حتى الآن في العالم.وارتفع متوسط الدخل الفردي إلى 11 ألف دولار سنويا ووصل الناتج القومي غير الصافي إلى 800 مليار دولار.ورغم بعض التراجعات في الآونة الأخيرة ومنها انخفاض النمو من تسعة سابقا إلى ثلاثة في المائة حاليا فإن وتيرة التقدم الاقتصادي مستمرة. وفي الداخل تتضارب التقييمات.من جهة إنجازات لا بأس بها على صعيد الحريات وتعميق النزعة المدنية،ومن جهة ثانية لا يزال الحزب عاجزا عن حل المشكلتين الكردية والعلوية كما ازدادت كثيرا موجة التضييق على الحريات الصحفية. أما في الخارج فالصورة مشوشة مع إجماع على أن سياسة تصفير مشكلات قد ماتت وباتت عناوين السياسة الخارجية التركية غير ما كانت عليه.اختفى مصطلح القوة الناعمة لصالح القوة الخشنة التي تهدد بالحرب مع قبرص وإسرائيل وسوريا وتتوتر مع روسيا وإيران وأرمينيا والعراق.وبات الدور الوسيط في ذمة التاريخ ولم تعد أنقرة على مسافة واحدة من دول وقوى المنطقة وباتت جزءا من المشكلات بعدما كانت جزءا من الحل. لكن كل هذا لم يقلل من نسبة التأييد لرجب طيب أردوغان وسط الجمهور العريض حيث إن استطلاعات الرأي تعطيه نسبة لا تقل عن خمسين في المائة وهي النسبة التي نالها قبل عام ونيف في الانتخابات النيابية.ولا شك أن هذه النسبة ترجع أساسا لعوامل داخلية اقتصادية من جهة واستقطاب أردوغان للأصوليين الإسلاميين الذين رحّبوا بخطابه الديني والقومي المتشدد في الداخل والخارج رغم أن تركيا بلد علماني وديمقراطي(!).ولم تقدم السياسة الخارجية أي إضافة إلى أردوغان حيث إن أكثر من ستين في المائة من الرأي العام وثلاثين في المائة من قواعد حزب العدالة والتنمية تعارض سياسته تجاه سوريا والجيران. نقدم هذه الصورة للانتقال إلى ما قدّمه حزب العدالة والتنمية قبل أيام قليلة اقتراحا بتعديل النظام السياسي في تركيا من نظام تعددي برلماني إلى نظام رئاسي. وهذا ينقل إلى الذهن فورا مركزية رجب طيب أردوغان في المشهد السياسي التركي.وتغليب صورة الزعيم والقائد على صورة المؤسسة التي تنطبع بها الأحزاب في الغرب ولاسيَّما في الولايات المتحدة حيث بالكاد يتولى الرئيس حكم الأمريكيين أربع سنوات يمكن أن تصل في حدّها الأقصى إلى ثماني سنوات ومن بعدها يتفرغ لحياته الخاصة أو السياسية لكن خارج إطار الحزب والإدارة والقرار.وربما هذا هو سر حيوية الديمقراطيات في الغرب التي لا تنغلق على شخصية واحدة على امتداد عقود. إذا استعرضنا التاريخ التركي منذ العام 1923 لوجدنا أنه عبارة عن تاريخ الزعماء السياسيين لا الأحزاب.يتقدم الزعيم لقيادة حزب ثم يؤلف حزبا آخر ثم ينتقل من رئاسة الحكومة إلى رئاسة الجمهورية في مجموع قد يتعدى النصف قرن ما لم تفاجئه المنّية. اليوم، تقديم اقتراح بتحويل النظام في تركيا إلى نظام رئاسي هو تفصيل للتشريع على قياس الأشخاص، لا مصلحة الدولة والتحديث، وهدفه الأول والأخير أن يتولى أردوغان رئاسة الجمهورية بصلاحيات كاملة وتهميش دور البرلمان والحكومة.وهكذا بعد عشر سنوات ستصبح 12 سنة في العام 2014، سوف يترشح أردوغان لرئاسة الجمهورية ليمكث فيها خمس سنوات قابلة للتجديد خمس سنوات وبالتالي ستكون مدة أردوغان الافتراضية في الحكم 22 سنة كاملة من العام 2003 حين أصبح رئيسا للحكومة إلى العام2025، نهاية الفترة الثانية من رئاسته للبلاد هذا إذا افترضنا أنه لا خطط أخرى له بعد العام 2025. إذا كان من معنى لهذا السيناريو فهو أن المجتمع التركي لا يزال بعيدا عن سر نجاح الغرب وتقدمه وهو تداول السلطة مهما كانت عبقرية الحاكم.وهي رسالة ليست فقط إلى تركيا بل إلى كل المجتمعات الإسلامية.