12 سبتمبر 2025
تسجيل(1) كنا في طفولتنا نكَّون ناديا لكرة القدم، وكان "الجول كيبر" محمود حسنين أكبرنا سنا (بحوالي 7 سنوات) وكان يعمل ترزي إفرنجي ولا يعمل في الأسبوع سوى يومين لارتباطه بالنادي، وكان عمه صاحب المحل دائم الشكوى منه لأنه كان يحرجه مع الزبائن وكان يطرده وعند الاحتياج يعود فيطلبه وخاصة أيام الأعياد. (2) لم يكن محمود يملك من الشهادات الدراسية سوى الابتدائية، فاقترحنا عليه الحصول على الإعدادية نظام السنوات الثلاث في عام واحد، ولكننا قمنا بالتدريس له كل المواد بحماس منقطع النظير ونجح بعد ثمانية أشهر وبتفوق، وكان لنا صديق يدعى (صبحي) حصل على التوجيهية (الثانوية العامة) قبلنا بعام واحد وعمل بإحدى شركات النسيج بالحضرة بالإسكندرية، وكان يعمل في قسم الأفراد، فأرسلت له محمود ومعه أوراقه فقبله، وبعد أسبوع أصبح (محمود) الترزي 24 سنة موظفا بالشركة عام 1954. (3) حصلت على التوجيهية (الثانوية) والتحقت بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية عام 1954 وتخرجت عام 1958 وعملت 6 سنوات في سلك التدريس كمدرس ثانوي، وانتقلت للعمل بمرسى مطروح خلال العامين الأخيرين ورقيت إلى موجه بالمدارس الإعدادية بالإسكندرية، وكنت لا التقى بجماعة الرفاق إلا غرارا، ولكن في أحد الأيام دق جرس الباب وعند فتح الباب فوجئت بمحمود، حارس المرمى، الذي ساعده صديقي (صبحي) في العمل بشركة النسيج. ماذا وراءك يا محمود؟ وماذا فعلت خلال السنوات العشر في الشركة. كل خير إن شاء الله، ولكن مرتبي أقل من زملائي وأريدك أن تكلم الأستاذ صبحي للعمل على رفع مرتبي ومساواتي بزملائي. ولكن أنتم (العمال) تحسنت أحوالكم في عهد الثورة في ظل قوانين يوليو الاشتراكية وغيرها. نعم هذا صحيح.. ولكن أنا لا أطالب إلا بمساواتي بزملائي الذين هم أحدث مني. إن شاء الله سأكلم الأستاذ صبحي في هذا الموضوع، على فكرة كم مرتبك؟ (4) وأسقط في يدي عندما فوجئت بأن مرتب موظف بسيط مؤهله (الإعدادية) يشكو من قلة مرتبه الذي يضاعف مرتب موجه لغة إنجليزية وخريج جامعة؟ على أية حال، اتصلت بالأستاذ صبحي تليفونيا وكان سعيدا بمكالمتي قلت له: ماذا عن محمود حسنين؟ الموضوع باختصار أن محمود (عاوز) يأخذ أكثر من حقه، وزملاؤه الذين يقول عنهم إنهم أحدث منه كلهم يحملون دبلوم التجارة ولم يسبقهم في العمل إلا بشهر واحد. وإن شاء الله سنعمل على ترضيته (وبالفعل قام صبحي بعمل اللازم نحو محمود فيما بعد).. وسألني صبحي عن عنواني الجديد لأنه يريد تقوية ولده حسن في الثانوية العامة في اللغة الإنجليزية، فأبديت استعدادي لخدمته وقلت: أنا في خدمتك بكل سرور وإلى اللقاء. (5) دق جرس التليفون، وإذا بالمتكلم محمود (حارس المرمى) يشكرني على ارتفاع راتبه فقلت: - أعلم هذا منذ شهرين من الأستاذ صبحي، وعليك أن تحمد ربنا في كل وقت على ما أنت فيه من نعمة واحرص على أداء عملك بإخلاص، وكيف حال الأستاذ صبحي؟ - إن شاء الله يا أستاذ إبراهيم أكون عند حسن ظنك، أما عن الأستاذ صبحي فهو الآن رئيس قسم الأفراد، بإحدى شركات البترول. - كيف حدث هذا؟ - نقل مديرنا المباشر إلى شركة البترول هذه وطلب أن يعمل صبحي معه في الشركة الجديدة وقد نقل الأستاذ صبحي إلى هذه الشركة منذ عشرين يوماً، وأنا أريد أن أعمل مع الأستاذ صبحي. وعدت محموداً خيرا واتصلت بصبحي بعد يومين تليفونيا. - أهلا أهلا بالأستاذ إبراهيم أريد الاتصال بك ولكنك دائما سباقا وأشكرك شكرا جزيلا على تقوية ابنك حسن الذي نجح باقتدار في امتحان القبول لقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب وذلك بفضل مجهودك معه، على فكرة متى أراك لتسليمك مكافأة أتعابك. - شكرا جزيلا يا صبحي، ولا تفكر مطلقا في هذه المكافأة فأنت أخي وابن حارتي وهذا واجب عليَّ ولكن لي خدمة عندك. عارفها: محمود حسنين، فقد كلمني وإن شاء الله وبعد أسبوعين ستسمع خير. (6) بعد أكثر من أسبوعين التقيت مع شلة نادي كرة القدم القديمة في القهوة التجارية، وتجاذبنا أطراف الأحاديث وتذكرنا الماضي (ذكريات الثانوي) وإسماعيل الأشول الهداف وصبحي السريع (الرهوان) ومحمود حارس المرمى الطويل الذي ترك صنعة الترزية ليعمل موظفا، والكل حكى عن عمله الجديد. وانتحيت بصبحي جانبا وكلمته عن محمود حسنين قال: - عُين منذ يومين فقط. - مش أحسن يستمر في شركة المنسوجات ومرتبه لا بأس به ومدته طويلة في الشركة. - كرمان لك يا أستاذ إبراهيم، الشركة الجديدة ضمت له المدة القديمة في الشركة السابقة هذا أولا أما ثانيا: فإن مرتبه ارتفع إلى ما يقرب من الضعف عما كان عليه مرتبه في شركة المنسوجات. وضحك وقال فارق كبير بين البترول والمنسوجات.. أنت مش عايش في مصر ولا أيه يا أستاذ إبراهيم؟! وهنا أحسست فعلا أنني لست أعيش في مصر ولا أدري كيف أن مرتب حامل الإعدادية يصل إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف مرتب حامل الليسانس الذي يعمل في ميدان التعليم!! حقا إنها أرزاق. وأخذت أتلمس القناعة وأستجدي الطمأنينة فوجدتها في شعر شوقي الذي يقول: أعلمت أشرف أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفسا وعقولا