18 سبتمبر 2025
تسجيلظهرت في الأسابيع الأخيرة ولاسيَّما بعد فشل المحاولة الانقلابية في تركيا تحليلات كثيرة حول إمكانية أن تغير تركيا محورها التي هي فيه منذ أكثر من ستين عاما إلى محور آخر يكون أقرب إلى روسيا وإيران والمشرق عموما.وجاءت التحليلات نتيجة للعديد من التطورات التي حصلت وسجلت تقاربا تركيا مع روسيا أساسا ومع إيران تاليا.لا شك أن العلاقات التركية الأمريكية شهدت هزة كبيرة جدا بعد المحاولة الانقلابية. والسبب أن الحكومة التركية اتهمت فتح الله جولين بالوقوف وراء الانقلاب وهو مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد طالبت باستعادته فرفضت واشنطن ذلك مما ألقى بشبهات حول دور أمريكي في العملية الانقلابية. وغالبا ما كرر المسؤولون الأتراك أن أمريكا والاتحاد الأوروبي دعموا الانقلابيين.فشل المحاولة الانقلابية أدخل العلاقات في عنق الزجاجة ودفع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى توسيع انفتاحه على روسيا الذي بدأ قبل الانقلاب كذلك مع إيران. والسبب أن البلدين كانا نددا بالانقلاب منذ ساعاته الأولى. ورأى أردوغان في ذلك موقفا عظيما ترجم في لقاءات بين مسؤولي تركيا وكل من روسيا وإيران.المحطة التي دفعت البعض للتعويل على انعطافة في المواقف التركية من الخارج كانت كلام رئيس الحكومة التركية بن علي يلديريم أن بلاده تريد تطبيع العلاقات مع مصر وسوريا. التطبيع مع مصر صعب جدا ولكنه لا يدخل في باب المستحيلات. لكن التطبيع مع سوريا دونه تعقيدات كثيرة ودماء.مع ذلك فإن كلام يلديريم عن إمكانية أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد جزءا من مرحلة انتقالية أضفى جدية إلى الكلام عن استدارة تركية محتملة في القضية السورية.وأضافت عملية جرابلس العسكرية ودخول الجيش التركي إلى شمال سوريا وسيطرته على كامل الشريط الحدودي من جرابلس إلى أعزاز والتي كانت توجد عناصر تنظيم داعش والبيانات أو المواقف "المتفهمة" لما جرى من جانب روسيا وإيران والبيان "المعتدل" اللهجة للخارجية السورية ليضيف عناصر إثارة لهذه المسألة.لكن فات الكثير أن تقديرا موضوعيا لاحتمالات الانعطافة أو الاستدارة التركية تقتضي العودة إلى مجموعة من المعايير التي تحكم التموضع التركي في علاقاته الدولية.وأول هذه المعايير طبيعة التهديدات والأخطار الإستراتيجية التي تحيق بتركيا عبر تاريخها البعيد والقريب. حيث روسيا وإيران وسوريا منذ الحرب العالمية الأولى (ولاسيَّما مسألة لواء الاسكندرون) واليونان والأرمن مصادر لهذا التهديد. ولا يمكن لتركيا أن تنزع هؤلاء من قائمة الأخطار الإستراتيجية والدخول معهم في شراكات إستراتيجية. مع الإشارة إلى أن العلاقات الاقتصادية الجيدة ليست معيارا أو جزءا من معيار تحديد طبيعة التهديدات. فالمتنافسان الأكبران الآن وهما الصين والولايات المتحدة بينهما العلاقات الاقتصادية الأقوى.أما المعيار الثاني فهو أن عامود السياسة الخارجية التركية منذ الحرب العالمية الثانية هو المحور الغربي الأمريكي والأطلسي. وهذا المحور كان المظلة التي حمت تركيا من تهديدات الشيوعية ومن المخاطر التي كانت تشكلها المشكلات مع الأرمن واليونانيين في بحر إيجه وفي قبرص.وهو محور أعطى العلاقة التركية معه صفة بنيوية على جميع الأصعدة. وقد أثبتت الأحداث متانة هذا المحور عندما كان يتجاوز بعض الخضات الداخلية مع تركيا ويعود لطبيعته الأصلية.رغم أن أمريكا متهمة بالتورط في الانقلاب التركي لكن تركيا لا تجد بديلا من المحور الغربي يحميها من المخاطر التي حددناها أعلاه والتي تشكلت عبر التاريخ. لذلك كان من الطبيعي أن تمر العلاقات التركية - الأمريكية في خضة كبيرة نتيجة ظروف المحاولة الانقلابية. لكن كان من الطبيعي ولو تأخر ذلك بعض الوقت أن يجد الطرفان الحلول للخروج من مأزق العلاقات الثنائية وإعادة العلاقات إلى طبيعتها ولو تأخر ذلك لبعض الوقت.لا تقع المواقف التركية الأخيرة في باب الاستدارات الإستراتيجية بل في خانة المواقف التكتيكية الهادفة لتصحيح العلاقات ليس مع روسيا وإيران وبالتالي سوريا بل مع الغرب عامة وأمريكا خصوصا. وما عدا ذلك لعب في الهوامش المتاحة المزيغة أحيانا للأبصار.