10 سبتمبر 2025

تسجيل

السلوك الإداري الإسلامي بين النظر والتطبيق

10 سبتمبر 2016

كان للسلوك الإداري في العهد الأول للحكم الإسلامي أثر عظيم في إقامة الدولة على أساس متين يشد بعضه بعضا، وأهم ما كان يتميز به السهر على مصالح الأمة ورعاية العدل بين أبنائها، والقضاء على أسباب الفساد، لا فرق بين شريف ووضيع، وسرعة البت في الأمور حتى لا يستعصي علاجها، والتحرر من الاثرة وحب الذات. كان ذلك تطبيقاً أميناً لقوله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون"، (النحل: 9).والرسول صلى الله عليه وسلم كان يوزع المسؤوليات على ذويها ويحذرهم من التفريط فيها، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته".وتراه يسوي بين الحاكم والمحكوم والشريف والوضيع في تنفيذ حدود الله، عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتشفع في حد من حدود الله؟! ثم قام فاختطب ثم قال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، متفق عليه.والخليفة الثاني رضي الله عنه يصور مسؤولية الحاكم في أمته "إنما مثل العرب كمثل جمل أنف اتبع قائده، فلينظر قائده أين يقود؟ أما أنا فورب الكعبة لأحملنكم على الطريق".والجمل الأنف وهو الذي اشتكى من الحلقة التي أدخلت فيه لإخضاعه في القيادة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مشبهاً المؤمن به "... المؤمن كالجمل الأنف كلما قيد انقاد". (وذلك للوجع الذي فيه فهو ذلول منقاد).وهكذا كان العرب في عهده أمة مطواعة إذا أمرت ائتمرت وإذا نُهيت انتهت لما تعلمته من أخلاق النبوية والآداب الإسلامية وبما تركته فيهم عملية الردع من أبي بكر رضي الله عنه للمرتدين وما نعى الزكاة بعد الهزة الكبرى التي أصابت المسلمين لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقصود من كلام الفاروق رضي الله عنه، أن قائد الأمة المطيعة مسؤول أعظم مسؤولية عن سلامة أمته ورخائها وطمأنينتها على مستقبلها، فعليه أن يسوسها برفق وأن يقودها إلى سبيل الأمن والعزة والكرامة والطمأنينة على مصالحها، بما يعد لها من أسباب القوة والمنعة التي ترهب العدو وتردعه، وتضمن لها السلامة من كيد الكائدين، ومكر الماكرين ومسؤول عمن يختارهم لها من الحكام القادرين الصابرين المستيقظين الحريصين على مصالحها، الباطشين بمن يعبث بها، ولم يكتف عمر بن الخطاب بذلك، بل أقسم على أن يحمل الأمة العربية على الطريق الأقوى الذي لا عوج فيه ولا عثرات يصعب التغلب عليها وقد بر بقسمه رضي الله عنه وقاد الأمة العربية قيادة حكيمة وفي عهده توسعت الفتوحات شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.وبالله التوفيق.