17 سبتمبر 2025

تسجيل

الحج...مؤتمر وحدة الأمة الإسلامية

10 سبتمبر 2016

من أعظم مقاصد شعيرة الحج الوحدة الإسلامية والعالمية والمساواة والحوار البناء بين مختلف ثقافات وحضارات العالم، فالحج مؤتمر لربط أمة الإسلام بمركز واحد، يديم لها رباط الدين، ويجدده فيها، ويوثق خيوطه، ويشدها بواسطته إلى ذكريات السلم والسلام والأمن والأمان الذي انبثق في فجر رسالتها فهداها وأخرجها من الظلمات إلى النور، وفي الحج تتجلى "الوحدة الكاملة للأمة الإسلامية" بكافة شعوبها وأعراقها وأقطارها ومشاربها. وحدة في المشاعر والشعائر، ووحدة في القول والفعل، لا إقليمية ولا عنصرية ولا عصبية ولا طبقية، وإنما الجميع مسلمون، وبرب واحد يؤمنون، وببيت واحد يطوفون، ولكتاب واحد يقرأون، ولرسول واحد يتبعون، ولأعمال واحدة يؤدون، ولهدف واحد يسعون. الحج فرصة لكل حاج كي "يجسد" الوحدة الإسلامية و"يستمتع" و"يعمق" شعوره بها - ولو لبضعة أيام أو أسابيع - فليوثقها بحسن التعارف والتآلف، وبالتعاون وحسن التعامل، وبتبادل الآراء والأفكار والمعلومات، متوجا ذلك كله بالمحبة والإخاء ويبرهن للعالم بأسرة أن الإسلام هو دين البشرية كلها ينبذ العنصرية والتمييز والتفرقة كما ينبذ العنف والإقصاء. فهو دين التسامح والمحبة والتآخي والتكامل. قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 97) فالحج أهم عبادة إسلامية تؤدى كل سنة، وهو عبادة جامعة لكل العبادات الأخرى؛ لأنها تحتوي على عدد من الجوانب العبادية. وإذا كان الله أمرنا بأداء العبادات دون بيان لمبررات كل عبادة إلا أننا نستطيع أن نلمس لكل عبادة معاني وحكما وأسرارا، وفي الحج تتجلى الأبعاد والمعاني السياسية بقوة وهذا ما تنبه له كثيرون ففي دائرة المعارف البريطانية: "يؤدي الحجَّ كل سنة مليونان من الأفراد، وتؤدي هذه العبادة دورًا بالغًا في اجتماع المسلمين معًا في احتفال ديني". الحج مركز إسلامي جامع: "ورد في القرآن في معرض الأمر بالحج" {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة: 125)، والمثابة مرادفة لكلمة المركز بمعناها الحديث، أي المكان الذي يجتمع فيه الناس ويكون مرجعا يرجعون إليه وجامعا يجمعهم ويصونهم من التشتت...فبيت الله هو المركز الإسلامي العالمي إلى يوم القيامة، وهو مقر الاجتماع العالمي السنوي لكل مسلمي العالم.الحج هو المؤتمر أو الملتقى الوحدوي الأعظم: ولو نظرت إلى الحجاج وهم في جبل عرفات بملابس الإحرام الموحدة المظهر فسترى أن الشعوب والقوميات تنصهر في بوتقة واحدة جامعة، لتكتشف أن الحج أكبر مظاهرة اجتماعية منظمة لا تجد لها مثيلا في أي مكان آخر في العالم، فالحاج عندما يأتي إلى هذه الديار المقدسة فإنما يستشعر نفسه كعضو في جسد أكبر، وفرد في أمة كبيرة مترامية الأطراف أمة لا تعرف التقسيمات السياسية ولا الحدود الجغرافية فحين يطوف الحاج مع إخوانه المسلمين من شتى بقاع العالم بالكعبة المشرفة وحين يقف في عرفات ويبيت في منى والمزدلفة فإنما يحس بارتباطه العضوي بهذه الأمة الإسلامية على اختلاف الألوان والأجناس والثقافات واللغات بينها والمشارب مصداقا لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى َوَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)، فدار المسلمين دار واحدة وإن اختلفت ملوكهم وجيوشهم ولغاتهم وأجناسهم وثقافتهم ومجتمعاتهم ولا يتحقق بين مسلم ومسلم اختلاف في الدار، وإن تباينت التبعية السياسية وتباعدت المسافات والدول. المساواة ميراث تاريخي: فإن المسلم إذا زار هذه البقاع الطاهرة تذكر تاريخ أمته وأنوار قرآنه العظيم وتذكر صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكيف كانوا سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحد على أحد مهما كانت مكانته ومنزلته إلا بالتقوى وصدق الله العظيم إذ يقول {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: 13)، وتتجلى المساواة بأسمى صورها الواقعية في الحج وذلك على صعيد عرفات حينما يقف الناس موقفا واحدا لا تفاضل بينهم في أي عرض من أعراض الدنيا الزائلة بل التفاضل والفوز والفلاح بالتقوى فحسب، ففي هذه المناسك يتساوى الفقير والغني، والأبيض والأسود، والعربي والأعجمي لا تفاضل بينهم، ولا تناقض في أعمالهم، فالأعمال واحدة، فلا فرق بين أمريكي وسعودي وفرنسي ونيجيري وإندونيسي وباكستاني ومصري وماليزي إلا بالتقوى. والمقصد والهدف نفسه والسبيل والنهج واحد. فالحج هو مجلس شورى المسلمين بامتياز حيث إنهم يجتمعون في وقت واحد ومكان واحد على عمل واحد ويتصل بعضهم ببعض ويتم التعاون والتعارف ويكون وسيلة للسعي في تعرف المصالح المشتركة بين المسلمين والسعي في تحصيلها بحسب القدرة والإمكان، وبذلك تتحقق الوحدة الدينية والأخوة الإيمانية؛ فالإسلام ليس دين طقوس عقيدية جامدة إنه دين حياة بكل أبعادها. والأمة الإسلامية أمة أراد الله لها أن تكون صاحبة رسالة دينية وحضارية والرسالة الدينية الحضارية المنوطة بالأمة الإسلامية لا يمكن تأديتها والقيام بحقها إلا إذا توحدت جهود الأمة الإسلامية دينيًا وفكريًا وحضاريا. فالحج هو مؤتمر إسلامي سنوي ينعقد بدعوة إلهية، وتلتقي فيه وفود الأمم الإسلامية وممثلوها، في أطهر مكان بنفوس صافية مؤيدين بمعونة الله؛ ليرسموا خطة تعاون المسلمين، ويقرروا ما يحقق آمالهم، ويعالج أمراضهم، ويوحد كلمتهم، ولو عُني المسلمون بهذا المؤتمر الإلهي السنوي ليستفيدوا من تجارب بعضهم البعض، وليتحدثوا بمشاكلهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في كل مجالات الحياة لاكتشفوا الإمكانات التي يمكن لأي بلد إسلامي أن يستفيد من إمكانات البلد الإسلامي الآخر على جميع المستويات، باعتبار أن المسلمين أمة واحدة وأن قضاياهم واحدة، وأن مشاكلهم واحدة في هذا المجال. والحج هو المقام الطبيعي لإعلان القضايا الاجتماعية والسياسية، ولذلك أعلنت أهم أمور الإسلام في مناسبات الحج، ومن أمثلته إعلان البراءة من الكفار والمشركين والذي تم بعد نزول سورة التوبة. لقد نزل حكم البراءة من مشركي الجزيرة العربية وكفارها في المدينة إلا أنه أعلن بمكة خلال موسم الحج، وهذا دليل واضح على أن موسم الحج بمكة هو المكان الصحيح لإعلان كل القرارات الإسلامية المهمة، فالحج هو المركز الاجتماعي لكل مسلمي العالم، وهم يجتمعون هنا وعليهم أن يعلنوا هنا قراراتهم الكبرى وعليهم أن يضعوا هنا الخطط العالمية للأعمال التي تجب عليهم تنفيذا لأوامر الله ورسوله، والمثال الواضح الثاني لهذا هو خطبة حجة الوداع، التي هي أهم خطبة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فمن خلالها أراد أن يعرِّف الناس بمقتضيات الدين الأساسية بصورة نهائية قبيل وفاته، ولم يعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم في أي مكان آخر بل أخّرها إلى أن حان الحج سنة 10 هـ وكان بإمكان رسول الله أن يستقدم الناس إلى المدينة ليقوم بهذا الإعلان أمامهم ولكنه لم يسلك هذا المسلك بل انتظر الحج، فأعلنها بعد وصوله إلى مكة. فهل حان الوقت لتتوحد الأمة الإسلامية في رؤاها وقراراتها وإستراتيجياتها لتقف أمام المتربصين بها؟