17 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); من النادر أن يجد المرء علاقة بين دولتين في منطقتنا الحافلة بالأزمات دون أن تكون التبعية سمة هذه العلاقة. سواء كانت هذه التبعية شاملة أو محدودة حتى بين المنضوين تحت محور واحد. غير أن الطريقة التي رسمت بها كل من تركيا وقطر صورة العلاقات بينهما تبدو مختلفة في عالم العلاقات الدولية الذي نعيشه اليوم. إذ تربطهما علاقة أكبر من التنسيق المكثف تجاه القضايا المتعددة مما ينتج تقاربا كبيرا في المواقف يمكن القول إنه من الممكن أن يرقى إلى التحالف مستقبلا.في 1996 بدأت قطر في انتهاج سياسة خارجية جديدة كان أحد أبرز سماتها الاستقلال بالقرار عن كل اللاعبين والفاعلين في الإقليم. والانخراط الفاعل في القضايا الدولية. وتميزت قطر بالعمل كوسيط فاعل حتى أطلق عليها البعض اسم "الوسيط غير المتوقف". كما جاء حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا في 2002 من بوابة العلمانية التي آثرت الانعزال عن قضايا المنطقة خاصة الإسلامي منها منذ سنوات طويلة. ليقود الحزب تركيا نحو الانعتاق من هذه السياسة بشكل تدريجي منظم وقد بدأ في سياسة نحو تصفير المشكلات مع دول الجوار. وقاد تركيا نحو مرحلة من الانفتاح الكبير.لم يكن سهلا أبداً السير في حقول ألغام المنطقة وعلاقاتها المعقدة دون تأمين الذات. حتى بالنسبة لتركيا التي تمتلك مقومات جغرافية وسكانية وعسكرية أكبر من قطر بكثير. وقد أدركت كلا الدولتين واقع المنظومة الدولية وحركة التوازنات التي تحكمها. فكان قرار تمتين العلاقات مع الولايات المتحدة. فمن جهة استضافت قطر مقر القيادة المركزية. فيما يوجد بينهما اتفاقية دفاع مشتركة تستضيف عددا من أبرز القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط كقاعدتي العديد والسيلية في خطوة أقدمت عليها قطر من أجل ضمان أمنها ومواجهة التهديدات الإقليمية وهو ما مكنها من التحرك الدبلوماسي بصورة أكثر استقلالا عن بقية دول الخليج.وفي الجهة المقابلة أسهمت عضوية تركيا في حلف الناتو وتنسيقها المستمر مع الولايات المتحدة من خلال إقناع واشنطن بأهمية تركيا الجيوستراتيجية في المنطقة في دخول تركيا إلى مرحلة جديدة. إضافة لذلك تقديم تركيا عددا كبيرا من متطلبات الانضمام للاتحاد الأوروبي. ومن خلال ما سبق أمنت أنقرة والدوحة نفسيهما من خلال هذه العلاقة.ولا يبدو هذا جديدا فهناك دول كثيرة قد فعلت ذلك من خلال الاستظلال بجناح النسر الأمريكي. ولكن المختلف أن الدولتين عارضتا عددا من السياسات والمواقف الأمريكية في المنطقة. فتركيا مثلا رفضت ضرب العراق انطلاقا من أراضيها في 2003. ووقفت الدوحة وأنقرة ضد الحصار السياسي لحركة حماس التي فازت بالانتخابات في 2006. ولم تقبلا بالاعتداءات الإسرائيلية والمجازر الهمجية التي تنفذها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين. علما بأن الدولتين تتمتعتان وربما في الوقت نفسه بعلاقات جيدة مع إسرائيل في أواخر التسعينيات ضمن السياسة البراغماتية التي اتبعت منهما. ثم لم يلبثا أن قطعا العلاقات معها ويبدو حاليا أن ذلك إلى غير رجعة. حيث أغلقت قطر المكتب التجاري بعد عدوان إسرائيل على غزة في 2009. فيما طردت تركيا السفير بعد الاعتداء على سفينة مرمرة في 2010.تتمتع تركيا وقطر بطموح كبير في مجالات السياسة والاقتصاد. وقد استطاعتا خلال السنوات العشر الأخيرة الوصول لمقامات عالية وقد بنت تركيا سياستها عكس ما أراده الغرب لها أن تكون جسرا له للعبور لآسيا. لكن رئيس الوزراء التركي الحالي أحمد داود أوغلو كان قد أطلق عبارة شهيرة قبل سنوات " نحن لسنا دولة جسر نحن دولة مركز". وفي ذات السياق أثبتت قطر خروجها من تحت أي عباءة تريد توجيه قرارها. وربما الأزمة الخليجية وعملية سحب السفراء من الدوحة في مارس الماضي أكدت هذا التوجه.مارست كل من الدوحة وأنقرة ذكاء سياسيا في تكوين علاقاتهما مع الخارج. لكن اللافت للانتباه هو مدى التوافق بينهما تجاه القضايا الإقليمية وعلى سبيل المثال فإن هناك توافقا على الموقف من المشروع النووي الإيراني. والقضية الفلسطينية. والعلاقات مع الولايات المتحدة ودعم الربيع العربي. والعلاقة مع الحركات الإسلامية.وعند الحديث عن الربيع العربي فإن أنقرة والدوحة قد اعتمدتا سياسة أخلاقية بدعم ثورات الشعوب واحترام مطالبها. بالرغم مما تعرضتا له من انتقادات واتهامات ورغم تعرض مصالحهما للتضرر في أكثر من مكان حيث يمكن القول أنهما أعطتا موقفا متقدما تجاه حالة الربيع العربي. كما أن رفضهما للتعاطي مع الانقلاب في مصر وعلاقتهما الجيدة مع جماعة الإخوان المسلمين هي أيضا تنطلق من موقف أخلاقي ينبع من رفض الانقلاب على قيم ومبادئ الديمقراطية.مثّل الموقف من العدوان الأخير على غزة نموذجا للذكاء السياسي والموقف الأخلاقي لكل من تركيا وقطر اللتين تفردتا بموقف متوافق بينهما تجاه الأحداث من خلال مواقفهما وتصريحاتهما وجهودهما الدبلوماسية لوقف العدوان حتى أن إسرائيل لم تخف سرا أن الدولتين باتتا من أشد أعدائها وأعتى العقبات في طريقها.يلزم القول أيضا أن الدولتين تسيران على حبل رفيع تحاولان ضبط التوازن في ظل الأزمات الإقليمية. وأن التوافق بين الدولتين لم يصل لدرجة %100 إلا أنه وصل لمستوى متقدم. وما زال ينتظر منهما الكثير. كما أنه ينبغي الإشارة أن تقاربهما وموقفهما المشترك بالتأكيد أقوى بكثير من التغريد المنفرد.