18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); حالة من الهستيريا والجنون الجماعي تعمّ بعض المناطق اللبنانية. جنون وجد في أزمة اختطاف العسكريين اللبنانيين في منطقة عرسال فرصة ليطل برأسه ويكشف عن أسوأ ما في نفوس البعض من عنصرية وعدائية تجاه كل ما هو مختلف. فحادثة اختطاف العسكريين اللبنانيين في منطقة عرسال الحدودية من قبل مسلحين ينتمون لتنظيميْ الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة نجحت في إيقاظ الوحش الكامن في نفوس البعض. فتكشّفت أنياب وبانت مخالب تمشي في الشوارع تبحث عن فريسة تنقض عليها لتقتص منها، وتشفي من خلالها غليل رغباتها الحيوانية الدفينة في الاعتداء على الضعيف، فلم تجد أضعف من النازحين السوريين لتنال منهم وتسيء إليهم.جرح اللبنانيين كبير بلا شك، لاسيَّما أهالي العسكريين المختطفين الذين لا يجدون من دولتهم الجدّية المطلوبة للإفراج عن أبنائهم وإنهاء معاناتهم. لكن جرح النازحين السوريين في لبنان ليس أقل إيلاماً، وهو لم يبدأ اليوم ولا أمس ولا الأسبوع الماضي. فالكأس المر بدأ الشعب السوري بتجرّعه منذ بدأ ثورته في فبراير 2011.النازحون السوريون لم يأتوا إلى لبنان في نزهة طال أمدها، ولم يسعوا للاستمتاع بطقسه العليل، وبحره الجميل، إنما لجأوا إليه هرباً من بطش نظام باتت براميله المتفجرة تبحث عنهم وترصدهم في الملاجئ والأزقة لتحوّلهم إلى أشلاء. هؤلاء النازحون واجهوا الموت وصاحبوه منذ بدأت رحلة نزوحهم عن ديارهم قبل أكثر من ثلاث سنوات. فهم منذ وصولهم إلى لبنان يعانون ظروفاً إنسانية وحياتية صعبة، يتشارك في المسؤولية عنها المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية والأهم الدولة اللبنانية التي تصر على دفن رأسها في الرمال، وترفض التعاطي مع النازحين السوريين كأزمة داهمة يستحيل التغاضي عنها، بل تستوجب استنفاراً وإعلان حال الطوارئ. بعد كل ذلك، يأتي بعض اللبنانيين لينفّثوا عن بعض عُقدهم النفسية من خلال الاعتداء على النازحين والتنكيل بهم وتهجيرهم من مخيمات النزوح إلى مخيمات أخرى، بعد تحميلهم وزر جريمة لا علاقة لهم بها. لم يشفع للنازحين السوريين أنهم سبق أن رحبوا واحتضنوا وأغاثوا واستقبلوا آلاف اللبنانيين عام 2006 خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، فأسكنوهم منازلهم، وتقاسموا معهم لقمة الخبز. ولم يشفع لهم معارضتهم للمسلحين الذين يرتبكون باسمهم العديد من الجرائم على أرضهم، ولم يشفع لهم رفض اختطاف العسكريين اللبنانيين وكل فعل يسيء لثورتهم. كل ذلك لم يشفع لهم، فالجريمة التي ارتكبوها لا تُغتفر، ولا مهرب من عقابهم عليها، وهي حملهم الجنسية السورية، وعدم تأييدهم للنظام الذي يفتك بهم ويرفض الاستجابة لمطالبهم.لعلّ ما هو أسوأ من الهستيريا التي أصابت بعض اللبنانيين تجاه النازحين السوريين، هو دلالات أخرى لا تقلّ خطورة.فجميع التعديات التي تطال النازحين السوريين تُرتكب تحت راية دعم وتأييد الجيش اللبناني، والمطالبة بالإفراج عن جنوده المختطفين. في المقابل، تبرز مماطلة الأجهزة الأمنية وإهمالها في ملاحقة الجناة(!!). هذا الأمر يضع على كاهل الجيش مسؤولية مضاعفة بوقف التعديات والتجاوزات التي ترتكب باسمه، لأنه مهما حصل يبقى الضامن وحافظ الأمن والاستقرار في البلاد وبين العباد. اللافت الآخر هو أن جميع الانتهاكات التي تطال النازحين تتم تحت سمع وبصر أحزاب وقوى فاعلة يناصرها المرتكبون لهذه الأفعال ويلتزمون بأوامرها. هذه الأحزاب طالما تفاخرت بأنها تمسك بزمام قواعدها الشعبية وتتحكم بحركتها، مما يعني أن كل التجاوزات التي تحصل تحظى بتأييد ورضى هذه الأحزاب التي تشارك في مجلس النواب وشريكة في الحكومة، وبالتالي هي تتشارك في تحمّل المسؤولية إلى جانب الجناة.الجانب الآخر الذي لا يقل خطورة عما سبق، هو أن ما يطال النازحين السوريين من انتهاكات واعتداءات يحظى بمباركة وتأييد عدد من المثقفين والفنانين والشخصيات العامة اللبنانية، التي عبّرت بوقاحة فجّة عبر وسائل الإعلام ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي عن تأييدها لاستهداف النازحين السوريين وطردهم من لبنان، مستخدمة عبارات تقطر كراهية وعنصرية. هذا الواقع، أعاد إلى الأذهان الأجواء التي سبقت الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان لأكثر من خمسة عشر عاماً حاصدة في طريقها مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوّقين والمفقودين. الفارق هو أن الكراهية والعنصرية التي مهّدت للحرب اللبنانية يومها كانت تستهدف اللاجئين الفلسطينيين، بينما هي اليوم مصوّبة نحو النازحين السوريين.لا خلاف على أن ما يرتكبه بعض المسلحين القادمين إلى لبنان من وراء الحدود مسيئة وإرهابية تستوجب التحرك والتصدي والمواجهة بحزم. لكن ما لا خلاف عليه أيضاً أن بعض اللبنانيين يستغلّ هذه الجرائم لتبرير حقدهم وكراهيتهم للآخر، والقيام بردود أفعال لا تقلّ سوءاً، وتشكل وصمة عار على جبين كل لبناني.