04 نوفمبر 2025

تسجيل

السودان.. مواجهات جديدة مع الحركة الشعبية

10 سبتمبر 2011

ما هي خلفيات أحداث ولاية النيل الأزرق في السودان الأخيرة؟! لماذا تمرد الوالي مالك عقار واستخدم السلاح ضد الدولة والجيش؟. عقار من أبناء ولاية النيل الأزرق وعضوٌ فاعلٌ في الحركة الشعبية ونائب رئيسها في فترة ما قبل الانفصال ورئيسها حاليا بالشمال أو ما يعرف بالحركة الشعبية قطاع الشمال.. والنيل الأزرق ولاية متاخمة لجنوب السودان من الناحية الجنوبية الشرقية وتحدها شرقا إثيوبيا وهي ولاية ذات خصوصية باعتبارها من الولايات البعيدة التي لم تنل حظا مقدرا من التنمية وهي ضمن ما يعرف بولايات المهمش.. اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) الموقعة بين الشمال والجنوب في 2005م كرست لخصوصية الولاية بجانب ولاية جنوب كردفان وأعطت الولايتين ما عُرف بحق (المشورة الشعبية).. والمشورة الشعبية هي آلية لتحديد شعور مواطني الولايتين تجاه تنفيذ اتفاق السلام الشامل بالولايتين، ومعرفة إذا ما لبى اتفاق السلام طموحاتهم.. هذه العملية من المفترض أن تقوم بها المجالس التشريعية المنتخبة في الولايتين عبر مشاورات على كافة المستويات بما فيها الولاية والمحلية والمجتمع والقرية.. ربما كان أحد أسباب التوتر فهم طرفي اتفاقية السلام (المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال والحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب) للمشورة الشعبية؛ إذ ترى الحركة الشعبية أن المشورة قد تحقق قدرا كبيرا من اللامركزية عبر تقرير المصير والحكم الذاتي الموسع، بيد أن المؤتمر الوطني يعتبر المشورة الشعبية حق للمواطنين من أجل تحقيق مستقبل أفضل للنيل الأزرق وخلق توازن بين الولاية والمركز، فالمؤتمر الوطني لا يقر فكرة "تقرير المصير" و"الحكم الذاتي الموسع" بحسب أن الولاية لا يمكن أن توفر إيرادات تكفي لمرتبات الولاية والسلطات المحلية أو تقديم الخدمات العامة. استبق مالك عقار استكمال إجراءات المشورة الشعبية وانحاز وبشكل كبير إلى أجندة الحركة الشعبية الأم.. مالك عقار شخصية بالغة التعقيد وعصية الفهم، لكن الرجل متنازع ما بين عدة أمور، فهو مرتبط بدولة الجنوب عبر حبل سري يصله بالحركة الشعبية، وهو في الوقت نفسه مرتبط جغرافيا وربما ثقافيا ووجدانيا بالشمال.. مخطط الحركة الشعبية في الشمال بعد أن نالت الانفصال على طبق من ذهب هو أنها تريد فرض نفسها (عبر مالك عقار) كشريك أكبر في الحكم حتى بعد الانفصال وليس ذلك بما تملكه من جماهير في الشمال ولكن بما تملكه من سلاح!!. الخطأ الكبير الذي وقعت فيه الحكومة السودانية هو تساهلها مع قوات ما يعرف بقطاع الشمال، فلم يكن من داع أن تبقى هذه القوات إلى ما بعد الاستفتاء بكامل عتادها العسكري إذ كان من المفروض حسم وجودها قبل ذلك. عندما يئس عقار من تحقيق الأجندة المشار إليها قام مدفوعا ومستفزا من جوبا بفعلته الهوجاء، فلا يسيغ المنطق الرشيد ولا العقل السديد أن يكون لوالي من الولاة قوات مسلحة بل تعتدي قواته على الجيش القومي.. ليس هناك أي مسوغ قانوني لوجود قوات مسلحة غير قوات الجيش.. حالة عقار هي حالة تمرد واضحة لا مجال للتعامل معها إلا عبر الدستور والقانون.. ما جرى من مواجهات عسكرية بعد قرار عقار التمرد على الخرطوم كان نتيجته وبالا عليه فلم ينتبه الرجل إلى أن جغرافية منطقة النيل الأزرق تختلف عن الجنوب وتختلف عن جنوب كردفان فهي منطقة مكشوفة ومحصورة، ولذا فقد حقق الجيش السوداني خلال ساعات نجاحات كبيرة وتشير المعلومات إلى فرار عقار إلى دولة الجنوب بطائرة تابعة للأمم المتحدة!!. إعلان الرئيس عمر البشير حالة الطوارئ وإقالة عقار إجراء ضروري يتناسب مع خطورة الأوضاع في النيل الأزرق.. بقاء مؤسسات وأجهزة حكومة النيل الأزرق كما هي يؤكد محدودية أثر حالة الطوارئ.. رغم أن البعض لا يرى في موقف الحكومة تجاه التمرد المسلح إلا ضعفا إذا ما قورن بموقف دول أخرى تعاطت مع التمرد المسلح بما يستحق حفاظا على سلامة وأمن الدولة، وذلك مثل حالة تركيا مع حزب العمال الكردستاني وزعيمه الذي ألقت القبض عليه في عملية عابرة للحدود والحركة المسلحة في نيجيريا في إقليم بيافرا في العام 1967م والتي تم سحقها بالكامل. لابد من قيام المشورة الشعبية تنفيذا لاتفاقية السلام في جنوب كردفان والنيل الأزرق ولكن ذلك يتطلب عودة الهدوء والأمن إلى ربوع الولايتين.. وإجراءات المشورة عملية معقدة إلى حد بعيد وطويلة لا ينفع معها إلا عودة الاستقرار تماما، فعلى سبيل المثال تخطط المفوضية البرلمانية للمشورة الشعبية في النيل الأزرق والتي تم تكوينها في 18 سبتمبر من العام الماضي في جلسة مغلقة للمجلس التشريعي المحلي للولاية، لإنشاء 87 مركزا للاستماع إلى الرأي العام وجمعه في ست محليات بالولاية وعقد مؤتمرات وورش عمل وثلاث جلسات استماع في كل محلية (30 نشاطا في المجموع).