13 ديسمبر 2025
تسجيلغداة الانقلاب السريع والمفاجئ الذي قاده الجنرال عبد الرحمن تياني، قائد الحرس الرئاسي ضد الرئيس محمد بازوم، ومع نهاية مهلة المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا «إيكواس» لقادة الانقلاب وتلويحهم باستخدام القوة، بدعم فرنسي مباشر ومعلن، بات واضحا أن الأمور تتجه لفرض الأمر الواقع، والتعامل مع المجلس العسكري الحاكم، بشكل مباشر وغير مباشر، إلى حين التوافق على خريطة طريق سياسية، ربما يتم التوافق عليها كمخرج سياسي، أو يتم الإعلان عنها من جانب واحد في العاصمة نيامى. ورغم التهديد والتلويح بإبقاء الخيار العسكري قائما لإجبار الانقلابيين على ترك السلطة، إلا أن جميع المؤشرات تدل على الاعتراف بحكم العسكريين الجدد، والتعامل معهم، بل وربما السعي حثيثا وراء الكواليس للفوز بثقتهم واستقطابهم، لاسيما في إطار المواجهة الواضحة والمكشوفة بين واشنطن وموسكو، بعد تحييد فرنسا خارج اللعبة التي يديرها قادة أفريقيا الجدد. وفي هذا الصدد، تبدو واشنطن قريبة من الانقلابيين الجدد أكثر من أي وقت مضى، بل كان غريبا أن توفد واشنطن مسؤولا بحجم نائبة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند التي أكدت على الحل الدبلوماسي رغم صعوبة المحادثات، فيما اكتفى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بالقول، في تصريح لإذاعة فرنسا الدولية، إن الدبلوماسية هي «السبيل الأفضل» لحل الأزمة. وفيما تتعزز الدائرة المحيطة بالنيجر لصالح الانقلابيين، ينسى الكثيرون أن هناك تجمعا عسكريا يضم النيجر، هو تجمع دول الساحل الخمس تم تشكيله في 16 فبراير 2014 في العاصمة الموريتانية، نواكشوط، بعضوية بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، وهذه القوة التي لا تقل أهمية استراتيجية عن مجموعة إيكواس، تبدو ميالة في المجمل إلى الحكام الجدد، باستثناء موريتانيا، وقد بادر أحد قادة المجموعة وهو الرئيس التشادي بزيارة الحكام الجدد في نيامى غداة الانقلاب، ومن تابع الزيارة في ذلك الوقت لم يفته الارتياح الذي كان باديا عليه أثناء اجتماعه بقائد الانقلاب، ووضع المجامل في لقائه مع بازوم، الذي بدا أكثر انطلاقا وحضورا في لقاء أراد من خلاله تأكيد شرعيته.وبالأمس تسلم عميد بوركينابي كابوري مهامه على رأس القوة المشتركة لمجموعة الخمس في الساحل، وبوركينافاسو داعم معلن للحكام الجدد في نيامي، فيما التقى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في العاصمة نواكشوط، قائد أركان القوة المشتركة لمجموعة الخمس، وتتولى موريتانيا رئاسة المجموعة منذ فبراير الماضي، ولن ترضى موريتانيا، رغم تنديدها بالانقلاب في النيجر، بأي عمل عسكري يهدد الأمن والاستقرار الهش أصلا في منطقة الساحل. أوروبا، القوة المؤثرة في معادلة الأمن بأفريقيا، تبدو منقسمة بحدة، وعواصمها المهتمة بالقارة السمراء مثل برلين وروما تبدو متراخية تجاه أي عمل عسكري، ولم تدعو صراحة لمثل هذا العمل، كما لم تلتزم بدعمه حال حصوله.وخلاصة ما نشهده من حراك سياسي محتدم، مجرد لعب أوراق صعبة لكسب رهان ليس أقله أولا ضمان الحصول على وعود من الحكام الجدد بتأمين جزء من الكعكة الاقتصادية، حيث الاحتياطات المهمة من المناجم في هذه الدولة الفقيرة والتي خرجت من يد فرنسا المستثمر السابق والوحيد بهذا البلد، وثانيا كسب معركة النفوذ السياسي بين واشنطن وموسكو في المنطقة، وفي النهاية سيفوز العسكر بالبقاء في السلطة، واختيار منهج الحكم المناسب وفقا لمقاس أفريقيا الشابة الجديدة.