13 سبتمبر 2025
تسجيلفي السنوات العشر الأخيرة، أو أكثر من ذلك بقليل، تضافرت عدة عوامل في ميلاد العملة الرقمية؛ من تلك العوامل مثلاً النكسة الاقتصادية العالمية عام 2008، الأمر الذي أدى ببعض الجهات إلى التفكير في استخلاص التحكم بالعملة من أيدي البنوك المركزية، بالإضافة إلى الحاجة إلى تيسير المعاملات المالية عبر الإنترنت دون اللجوء إلى الطرق التقليدية مثل الحساب المصرفي وبوابة الدفع الالكترونية، إلخ. فلذلك في عام 2009 قام ساتوشي ناكاموتو بتقديم ورقة يصف فيها خصائص عملة رقمية لا مركزية يتم تداولها بين الأفراد عبر الإنترنت. سمة العملة الرقمية الأساسية هي اللامركزية، حيث يتعذر على جهة ما أن تتحكم بها. ويتوزع تقييد التعامل بها كعملية محاسبية على حواسيب مختلفة حول العالم. في تلك الحالة، أي توزيع القيد على عدة حواسيب، فتغيير البيانات (لأي غرض ما) لدى جهة واحدة لا تؤدي إلى شيء، لأنها لن تتطابق مع ما بالحواسيب الأخرى. فهي لذلك منيعة ضد محاولات التزوير. سميت هذه العملة بتكوين، الكلمة مشكلة من بت (وهي أصغر وحدة بيانات حاسوبية. وكلمة بت ذاتها اختصار لـــ (binary digit، بالإضافة لكلمة كوين والتي تعني عملة. ومن جهة أخرى يتم قيد التعاملات وتبادلات هذه العملة في قاعدة بيانات موزعة على هذه الحواسيب المختلفة على شكل كتل (والتي هي بمثابة صفحة موازنة كما في دفتر الحسابات). وعندما تكتمل الكتلة تلحق بالكتلة التي سبقتها، في سلسلة تسمى سلسلة الكتل (blockchain). كان سعر البتكوين عند ظهوره عام 2009 صفرا، ثم تصاعد إلى بضعة سنتات أمريكية بعد ذلك بعام، ثم إلى دولار عام 2011. وهذا العام، 2021، وصل سعر البتكوين إلى 64 ألف دولار. أدى هذا التصاعد الجنوني، بالإضافة إلى استخدام البتكوين في غسيل الأموال وفي التهرب الضريبي، إلى صحوة الحكومات إلى ضرورة سن القوانين من جهة، ومن جهة أخرى إلى التفكير في بدائل تكون تحت تصرفها، وبذلك كان ميلاد عملة المصرف المركزي الرقمية (central bank digital currency)، التي تختصر CBDC. قامت أغلب حكومات العالم، عن طريق مصارفها المركزية، بالدخول في مرحلة من مراحل تقييم العملة الرقمية المركزية: تقييمها عمليا كعملة، أو مرحلة الدراسة والبحوث، أو التطبيق الجزئي كما في الصين. اختارت الصين مسمى e-CNY، واختارت تايوان مسمىgovcoin، وما إلى ذلك. وركوب موجة العملة الرقمية خيارٌ حتمي للحكومات ووجهة مستقبلية لا بديل لها. لأولئك الذين يذكرون الحياة قبل البطاقات البنكية وأجهزة الصراف الآلي، حيث كان الانتظار في صفوف المصرف أمراً عادياً حينها، فالرجوع إلى مثل ذلك قد يشكل كابوساً. والآن فالانتقال من عالم اليوم إلى عالم العملات الورقية قد تكون طفرةً مثل تلك. لاستخدام العملة الرقمية يتم استخدام محفظة الكترونية على الهاتف الجوال يتصل من جهة بجهة البيع أو مقدم الخدمة، ومن جهة أخرى بالمصرف المركزي. وقد تكون جهة التوظيف هي أحد طرفي هذه المحفظة بحيث يتم إيداع راتبك الشهري في محفظتك أو حتى البستاني أو صاحب البقالة أو فواتير الماء والكهرباء. ربما سيؤذن ذلك بميلاد عصر تختفي فيه البطاقات المصرفية تماما. وبلا شك، فالعملات الورقية ستحل مشاكل عديدة على مستوى الأفراد وعلى مستوى الحكومات والمؤسسات التجارية. قد تنتهي مثلا مشكلة تزوير الأموال، وقد تختفي مشاكل انتحال الشخصية واستخدام بطاقات الآخرين بمجرد معرفة أرقامها. وقد تنتفي الحاجة إلى طباعة النقود (أو التقليل من ذلك بكثير على أقل تقدير). ولن تكون هناك حاجة إلى تسوية الشيكات لدى المصارف، ذلك ضمن مزايا أخرى كثيرة.