31 أكتوبر 2025
تسجيلخلال اليومين الماضيين، نشطت الدبلوماسية الكويتية والأمريكية بشأن أزمة الخليج، التي بدأت تراوح مكانها مع دخولها الشهر الثالث.. ولا شك عندي أن مضمون المساعي الدبلوماسية الكويتية والأمريكية لا يخرج عن ضرورة كبح جماح هذه الأزمة من أن تتطور وتتعمق أكثر فأكثر. ما رأيناه وعايشناه جميعًا منذ بداية الأزمة وحتى اليوم، أن الرباعي المتأزم (السعودية، الإمارات، البحرين ومعهم مصر) دخل هذه الأزمة بشكل فجائي وعنيف، انطلاقًا من مبدأ المباغتة القوية المسببة لنوع من الارتباك، والمؤدي غالبًا بالضرورة، للخضوع والاستسلام وقبول الإملاءات، باعتبار أن المباغتة تكتيك هجومي يُستخدم في الحروب، سواء العسكرية أو الإعلامية وغيرها، لإحداث صدمة وفوضى منذ البداية. تم امتصاص الصدمة في قطر بشكل سريع، وإن كنا لا نقول بأن الحملة الإعلامية التي بدأت بالليل والناس نيام، لم تزعجنا. لا، هي أزعجت كل من يعيش في قطر، وأصابتنا بشيء من الحيرة والاندهاش وشيء من القلق أيضًا بسبب عمق الكذب والفجور فيه منذ البداية، وبشكل لم نعهده من ذي قبل في حملات إعلامية سابقة مرت على قطر، ومن إعلام الرباعي نفسه. لكن ما إن انتهت فترة جس النبض من طرف معسكر الرباعي، وبالمقابل تم امتصاص الصدمة من طرف المعسكر القطري، حتى بدأنا في قطر نحلل ونفكك الأمور ونفهم ما يحدث، وعلى إثر ذلك تم الدخول في مرحلة جديدة لم تستمر طويلًا، كان الهدف خلالها تثبيت الصفوف، وتوحيد الرؤى والجهود، وتحديد الجهات المعادية والمغرضة، بالإضافة إلى تحصين الجبهة الداخلية قبل التوجه نحو تنوير الرأي العام العالمي بما يحدث في المنطقة.. وبدأ العمل الجاد بعد انتهاء الأسبوع الأول. وبدأ الرد والهجوم المعاكس، وتولي زمام المبادرة.. وهكذا بين أخذ ورد، طالت الأزمة أكثر مما توقعه الرباعي المتأزم، الذي كان متحفزًا ينتظر النتيجة المأمولة خلال أيام! لكن مع الأيام ازداد تأزمًا خاصة مع بدايات الشهر الثالث، ما استدعى أطرافا أخرى ترى أن الأمر لم يعد مقبولًا وغير لائق استمراره، وهو ما يفسر النشاط الكويتي والأمريكي الدبلوماسي هذه الأيام. لقد كان الحوار هو الوسيلة الأنسب لحل أي خلافات وسوء فهم في منطقة صغيرة مثل الخليج، مترابطة جغرافيًا وتاريخيًا وثقافيًا واجتماعيا.. قطر منذ وقت مبكر من الأزمة، وبحكم شهرتها في الوساطات لفض المنازعات وقدرتها على إدارة الحوارات وبشهادات دولية عديدة، طرحت على الرباعي المتأزم انتهاج أسلوب الحوار المباشر لحلحلة كافة المشكلات، لكن التعنت والتعالي الذي بدا واضحًا منذ البداية من طرف المعسكر المتأزم، هو ما دفع بالأزمة بعد شهرين من الزمن، أن تدخل إلى وضع استاتيكي لا يحرك ساكنًا، ودفع بالوسيط الكويتي وكذلك الأمريكي للتدخل واستخدام أدوات ضاغطة جديدة لوقف الأمر عند هذا الحد، ولسان حال الطرف الأمريكي يردد بأنه قد بلغ السيل الزبى، وقد حان الوقت بوقف المهاترات، وصبيانية الأفكار والأفعال من الرباعي المتأزم، والذي يزداد تأزمًا كل يوم.. سمو أمير البلاد في خطابه كرر في مواطن كثيرة على أهمية الحوار، وأن قطر لا تحاول فرض رأيها على أحد، ولا تخشى في الوقت ذاته من تشخيص الخطأ وتصويبه على الفور وبأي صورة يتفق الجميع عليها، مع الإشارة إلى نقطة أساسية مهمة وهي التي أثارت وعمّقت الأزمة أكثر فأكثر، والمتعلقة بالسيادة، التي كان الرباعي يحلم أن ينتزعها من قطر.. ذلك أن الدعوة القطرية إلى الحوار والانفتاح عليه من أجل إيجاد حلول للمشاكل البينية العالقة، لا بد أن يكون ضمن إطار احترام سيادة كل دولة، وأن هذا الحوار ينبغي أن يجري دون إملاءات من طرف على طرف، وإنما ينتهي على شكل تعهدات متبادلة والتزامات مشتركة. ها هي قطر مرة أخرى تعطي فرصة للرباعي المتأزم للخروج من الأزمة بشكل يحفظ ماء الوجه، وبرعاية كويتية وأمريكية، على مرأى ومسمع من العالم كله، وأن الاستمرار في التعالي والنظرة الفوقية إلى قطر لن تجدي نفعًا، فقد رأى الرباعي المتأزم بنفسه نتائج التعنت، ونتيجة الإصرار على قول لا للتفاوض حتى تنفيذ المطالب، كدليل واضح على نية مبيّتة للنيل من سيادة قطر وإذلالها عبر مطالب غير منطقية تبخرت مع حرارة يوليو القاسية. هي فرصة أخيرة للرباعي المتأزم أن يخرج من أزمته، فإن إطالة أمد الأزمة أثبتت وبالأرقام والنتائج الواقعية، أنها في مصلحة قطر، بل لا أخفي علمًا يكاد الكل يعلمه اليوم، أن رغبة شعبية جارفة في قطر تنادي بالبقاء على ما نحن عليه لحين الانتهاء من كثير من الملفات، على اعتبار أن الإنسان حين يكون تحت ضغط شديد، يكون تركيزه بالمثل وبالتالي تكون الإنتاجات مبدعة، على العكس من وضعية الاسترخاء والتراخي وغياب المحفزات أو الضغوط الدافعة للاجتهاد. ولأن الخشية كبيرة أيضًا أن نتصرف بأخلاقنا وطبائعنا وفطرتنا كقطريين، ونتسامح سريعًا ونصفح عمن تسبب في هذه الفوضى وهذه الأزمة، فنرجع إلى ما كنا عليه قبل الخامس من يونيو.. أيها الرباعي المتأزم.. الحوار وليس غيره، هو سبيلكم الوحيد للخروج من هذه الورطة التي صنعتموها، وإن الرهان على الوقت لو طال، لن يكون في صالحكم وإن كان هو العكس بالنسبة لنا.. فلكم القرار الآن وقبل فوات الأوان. نحن بالانتظار، سواء رغبتم الجلوس إلينا في قاعة المؤتمرات بشيراتون الدوحة أم قصر بيان في وطن النهار، دولة الكويت. فماذا تقولون؟